أتابع بشكل مستمر، تلك الأطروحات التي يلقيها «د. صلاح الراشد» في الكثير من المنصات، والمواقع، وكنت – ولا زلت – أرى أن كثيرًا ممن يذم الراشد لم يسمع منه، بل سمع عنه، أو سمع مواد منتقاة ومجتزأة من كلامه، كما أن بعضهم يحمل موقفًا غير إيجابي أساسًا من كل موضوعات تطوير وتنمية الذات. والحقيقة أنني في أثناء متابعتي المستمرة لما يطرحه الراشد، ومع كل مادة إضافية اطّلع عليها أتيقن أني أمام جملة من الانحرافات الضخمة، في مسائل ليست محل خلاف، ولا تقبل تعددًا لوجهات النظر، لأنها مسائل حسمها القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنًا، وأتى سعادته اليوم ليعيد نقاشها مرة أخرى وكأنه لم ينزل بها الوحي أول مرّة!. والدكتور حين يطرح هذه الانحرافات (الكبيرة)، يطرحها بكل ثقة، وربما استقطع جزءًا من آية قرآنية، أو حديثًا نبويًا ولوى أعناق النصوص ليستشهد بها في تأييد موقفه، وربما فسّر الآية بما يريد وفقًا لوجهة نظره الخاصّة؛ وليس وفقًا للمنهجية العلمية في التفسير، بتفسير القرآن بالقرآن، ثم بكلام المصطفى، ثم بفهم الصحابة، وعلماء الأمة خلال العصور. ولأنني وقفت على تلك الانحرافات بنفسي، وكتبت عنها كتيبًا، نقلت فيه نصوص كلامه دون تغيير، فإنني لما رأيت إقبال عدد كثير من غير المدركين للقضايا الشرعية لأطروحاته المغلفة بالكلام المنطقي والعقلاني، والمغطاة بجملة من النصوص الشرعية التي توهم صحة تلك المعتقدات، فقد قررت كتابة رسالة خاصة، موجهة إلى شريحة متابعي الراشد ومحبّيه ومعظميه، أوصيهم فيها بوصية واحدة، للحماية من الانسياق وراء تلك الضلالات، وإني لمتيقن أن كثيرًا منهم حين مرّت عليه تلك التجاوزات – أول مرّة – أصابته قشعريرة، ورهبة منها، فلم تقبل بها نفسه وفطرته السوية، لكن تكرار ذلك، والخشية من مخالفة التيار الموافق للراشد المعظم له، دفعت الكثيرين للسكوت، والهيبة من الاعتراض عليه. هذه الوصية هي : أن يكون "القرآن الكريم" الذي هو كلام ربّ العالمين الذي لم تطله يد التحريف والتزوير، المرجع الأصيل والميزان الدقيق لكل مقولة أو رأي، إذ إن كل من يجعل القرآن الكريم على نفس الدرجة والمستوى مع كتب سماوية محرّفة، أو مع كتب ألفها البشر أيًا كانت عقلياتهم وإنجازاتهم وأفكارهم، فقد انحرف انحرافًا عظيمًا، فكلام الله تعالى منزل منه، ومحفوظ من العبث والتغيير، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). لذا فإن الرجوع إلى كتاب الله، وقراءة تفسيره من مصادر التفسير الموثوقة المتعددة، والرجوع لأهل العلم من المتخصصين، تعدّ أحد أهم أدوات الفهم الصحيح للقرآن، ويجب ألا يكون الدكتور مرجعًا شرعيًا في الاستشهاد بالنص، أو تفسيره على الإطلاق؛ حتى ولو قرأ صحيح البخاري عشرات المرات؛ فإن ذلك لن يجعله محدثًا، ولو قرأ فتاوى ابن تيمية مائة مرة؛ فذلك لن يجعله فقيهًا، ولا أصوليًا، ولا مفسرًا، فالعلم الشرعي له أصوله ومنهجياته التي لا يعرفها، ولو عرفها فإنه لا يأبه بها. ويتصل بالوصية بالقرآن أن نتواصى كذلك بتقوى الله وتعظيمه في النفوس، واستشعار أنه سبحانه خلقنا في بطون أمهاتنا، وأخرجنا إلى هذه الدنيا لا نعلم شيئًا، ثم علّمنا مالم نكن نعلم، وكان فضل الله علينا كبيرًا كثيرًا، فيجب أن نعرف لله قدره، وأن نعظّمه، ونوقره، ولا نقبل أن يكون في ألفاظنا أي خدش في ذلك التعظيم. وجدير بي أن أشير إلى أن ما يطرحه الدكتور من مفاهيم في تطوير الذات، والتخطيط الشخصي، ومنهجيات النجاح، وأدوات العمل الجاد لتحقيق الأهداف، يعدّ أمرًا مميزًا وإبداعيًا فهو متجدد متطور واسع الاطلاع، وقد تعلمت ولا زلت أتعلم منه الكثير في هذا السياق. لكنني في الوقت ذاته أحذر وبشكل واضح وجلي، من كل طرح فلسفي، وعقدي يتناوله الدكتور، واحذّر من كل حديث له في القضايا الشرعية، ذلك أنه في حديثه – وبشكل صريح لا يقبل التأويل- يتحدث عن (الإسلام) وكأنه على قدم المساواة مع الأديان المحرّفة، والمذاهب البشرية الأرضية، فيمكن لك أن تختار منها ما يحلو لك، فكلها – على حدّ فهمه – سبل تقربك للربّ، وتحقق السعادة!، ولهذا يمكن القول بأنه في الواقع يدعو إلى دين مختلق مرقّع جمّعه من مذاهب وأفكار وأديان متنوعة، دين يتحرر فيه المرء من كل معتقداته السابقة، لينتقل إلى أفكار وعقيدة الدكتور التي يرى فيها أن الإسلام أحد تلك الخيارات للعيش السعيد!. وموقف الدكتور غير المتزن من الإسلام والمسلمين، أمر يدعو للعجب، ولو تأملت حديثه عن المسلمين، والعلم الشرعي، والعلماء، والدعاة، لوجدته يتحدث عنها بلغة التحقير، والتصغير، التهوين، فيلحق بهم كل ضلالة وانحراف، ويلبسهم كل تهمة، كما أنه يعتبر (التديّن) مصيبة، وأنه كلما زاد تديّن المرء زاد انحرافه! وهذا الموقف الانهزامي يجعله يمارس انتقائية مقيتة، فحين يتحدث عن المسلمين، فهو يركّز على فئة ضالة منحرفة متطرفة كداعش وأشباهها، معتبرًا أفاعيلها تمثيل حقيقي لكل المسلمين، وأنها تطبّق التعاليم المنصوص عليها في الكتب الشرعية، وهي فرية كبرى يقولها وهو يعلمها، فكم عدد المتطرفين، وكم عدد المسلمين؟. أما حين يتحدث الدكتور عن الغرب اللاديني، وعن الشرق الوثني، فهو يتحدث بحديث المستلب فكريًا وعقليًا، فلا ترى إلا التمجيد والثناء والإعجاب والمدح، وأنهم هم الذي يبنون للبشرية مجدًا وعزًا وعلوًا، أما نحن فمشغولون بالهدم! فهو ينسى كل جرائمهم بحق الإنسانية جمعاء، وينسى كل المخازي التي ارتكبوها، ينسى الحرب العالمية الأولى والثانية، ويتناسى الحروب الصليبية، وينسى محاكم التفتيش، ويتغافل المذابح اليومية التي تتم بدعم أو تواطؤ من الغرب والشرق في بلاد الإسلام، يتجاهل احتلالهم للبلدان، والسعار الجنسي، والشذوذ الأخلاقي، والمخدرات، والإلحاد، والفساد، واستعباد البشر، وسرقة ثروات الشعوب، لا يتذكر أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية، والذرية، والبيولوجية التي هي من صنعهم، ينسى ويتغافل ويتجاهل كل ذلك مع ضخامته وحجمه الذي لا يخفى، و يتحدث – وفقط – عن الغرب المتقدم المتميز الديموقراطي. إن التعايش مع المختلف عنك، والإحسان إليه، والتعاون معه على المشتركات الإنسانية، أمر مطلوب، وجميل، ومشروع، لكنه لا يعني بحال اعتبار مقولات ذلك المخالف حقًا، ولا الإيمان بصحة معتقداته، ولا المساواة بينها وبين ما لديك. وأخيرًا فإنني أشير في ختام رسالتي إلى أن هذه الأحرف ليست سوى (رسالة محبّ) لكل الرفاق الذين يستمعون لبرامج الدكتور المسموعة والمرئية، أو الذين ينخرطون في مشاريعه المختلفة، ويعتبرونه "معلّمًا وملهمًا" لهم، أكتبها من واقع اطلاع، ومتابعة منذ مدّة غير قصيرة، تابعته متعلمًا باحثًا عن المعرفة، لا متصيدًا وباحثًا عن العيوب والمثالب، لكنني حين وقعت على تلك الانحرافات لم أجد بدًا من التنويه إليها، والتحذير منها، فجاءت هذه الأسطر، خصوصًا أنه حين يتحدث في أي برنامج، فإنه يخلط الضلالات الكبرى مع بعض المعلومات العلمية الصحيحة، ويمزجهما بحديث تحفيزي جميل، فيختلط على السامع الحابل بالنابل، ويقع في المحظور.. جدير بالمتابع أن يكون متيقظًا، ويستمع بعقلية الناقد المميّز، لا التابع المستسلم. دمتم بخير،،، محمد بن سعد العوشن