تخيّل أنّ أحدهم حريص على الصلاة من أوّلها، ما حاله إن قَعد من نومه والصلاة قد أُقيمت؟! ما هي أولويته في ذلكم الوقت؟!.. إدراك الصلاة بالتأكيد، وإنَّ الحال الطبيعية التي سيكون عليها هي حالة الهرَع والسرعة للّحاق بالصلاة.. لكن مهلًا، ليس هذا المطلوب! قال صلىّ الله عليه وسلم: "إذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". السّكينة مطلب عزيز، وهي من تمام نعمة المولى على المرء حين تطيش به الدنيا بالمُلمّات، أنَّى لأحدٍ منّا أن يحفظ هدوءه في خضمّ معترك الحياة وتحدياتها؟ ما بين مهام عالقة، وحقوق وواجبات لم تؤدّ، ونفس ترجو الراحة؟ يُعجَب المرء بمنظر الماء الساكن، يجد فيه إلهامًا لنفسه أن تسكن كما الماء الذي ما إن يضطرب إلا أن حاله الثَّابتة هي الهدوء والسكون. جاءت النصيحة " عليكم بالسكينة" لتكون أغلى من إدراك أحدنا للصلاة، ذلكم أن العجلة تُفقد كل نفيس! فما جدوى من يتعجّل في شؤون حياته، ليصل لبُغيته، بنفسٍ تلهث تعبًا وكمدًا؟ الآن وبعد مرور ما يزيد عن عشر سنوات في تعليمي للصغار أستطيع القول إن أحد أسباب ثبات المعلم ونجاح هو الهدوء والسكينة. كلما زاد هدوءه ووقاره، زاده ذلك حكمة ونضجًا، أقول هذا وأعلم أن ثمة مواقف تُخرج المعلم عن طَوره، خاصة إن كانت مواقف تهدد سلامة الأطفال، لهذه الاستثناءات أحوال تُناسبها. المعلم الهادئ إنه ذلكم الشخص الذي يعرف متى يُظهر انفعاله لطلابه، ومتى يسرّها في نفسه؛ لعلمه بأن "استفزازه" أو " لفت نظره" قد يكون الدافع الذي حملهم على الإساءة. وإني أتذكر مواقف عديدة، ما صعّبها عليّ إلا لأني استسلمتُ لنوبة الانفعال، وبعد مراجعتي لها وعن طرق التحسين، أخبرتني مشرفتي منذ سنيني الأولى أن هدوءك واتزانك ينعكس عليهم ولو بعد حين. كلما كانت بيئة الطفل هادئة، يساعده هذا للانخراط مع الجو العام للمكان، ولي في هذا موقف طريف. كان وقت الوجبة، الوقت الذي يتناول الأطفال طعام الغداء، نقسّم مهامنا ما بين من تنصب لهم الطعام ومن تشرف على طاولات الأطفال، حدث أن الأطفال كانوا كالفشار! مع تقدم الوقت يزداد الوضع فوضى، فلان أفلت الأرز ونثره بالخطأ، وآخر لم يحصل على طبق، وآخر يريد دخول " الحمام" كنا ثلاث معلمات ولا ندري أين الخلل! فجأة نطقت صديقتي: "خالة صالحة… توقفي"!! اكتشفنا متأخرًا أن ما يسبب الفوضى هو وجود عاملة النظافة بيننا، إنّها لا تتحمل رؤية المكان متسخًا فتسارع لتنظيف المكان وتوضيبه أثناء توجيهنا لهم، فتقوم وتقعد، تتحرك بين الطاولات هي وممسحتها! أثْر ذلك بشكل كبير على هدوء المكان. ومما نفعله وقت الوجبة تحديدًا للمحافظة على جو الهدوء، هو تخصيص ألعاب هادئة يستمتع بها الطفل الذي انتهى من وجبته سريعًا، فمرة نعطيهم عجين يقضوا الوقت بفرده وتشكيله، وتارة – وهي الأكثر- نضع لهم ألعاب تركيب ما بين مكعبات وحلقات وهي كثيرة – ولله الحمد- في الأسواق. يمتدّ أمر الهدوء ليكون أول عامل عند إصابة أحد الأطفال – أو حتى الكبار- وهذا ما أخبرونا إياه في دورة الإسعافات الأولية "تهدئة المصاب" لأنه يقلل من جريان الدم وبالتالي تتحسن إصابته لو كانت خطيرة. ووجدتُ بالهدوء تسير الأمور بسلام وبأقل الخسائر، مع الانتباه أن الهدوء لا يتوافق مع " برود الأعصاب" إنما التعامل مع المواقف دون انفعال كبير. نهاية، من شأن السكينة أن توصلك لحقيقة كُبرى أن: ما كان لك لن يفوتك، ولَو سبقك غيرك له! واعلَم أنّك بخير ما دام قلبك محوطًا بالسَّكينة، آنذاك بإمكانك إدراك ما فاتك من حظ أو نصيب، على الوجه الذي تستطيع إدراكه، فقد يكون ذلك بإعادة المحاولة، أو وضع خطّة جديدة، أو استبدال الوُجهة. إيناس حسين مليباري جامعة الملك عبد العزيز| مركز الطفولة [email protected]