لا تهدأ الآنفس ولاتستقر الحياة ولا تكمل الطاعات ولا يصلح العيش لإمريء في هذه الحياة الدنيا إلا بإستتباب الآمن في وطنه الذي يعيش فوق ثراه! غيرأن هذا الآمن الذي يحلم به لايتحقق أبدا إلا بالسلطان وبطاعته في غير معصية الله عزوجل,فهو بإذن الله صمام أمان للوطن والإنسان,فاالله سبحانه يزع به مالم يزع بالقرأن! وقد قال أحد علماء الإسلام المعتبرين (لآن أبيت أكثر من ستين عاما في ظل سلطان جائر أحب إلي من أن أبيت ليلة واحدة بلا سلطان),فكيف بمن يعيش في ظل حكومة رشيدة عادلة تحكِّم شرع الله في شؤونها كلها دقها وجلها,المملكة العربية السعودية؟!! لاريب أن القاصي والداني يعرف ماكانت عليه هذه البلاد قبل أن يقيض الله لها ملكا صالحا عادلا,هو الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله, فيلمّ شعثها ويوحد كيانها ويؤلف بين شتى قبائلها وأطيافها,حتى غدت لحمة واحدة,وجزءا متينا لايقبل الإنكسار ماأرادت الآمن والبقاء,وما أرادت العيش في صفاء ورخاء ونماء! ولو أن أحدنا جلس إلى من يعرف من كبار السن ومن الذين تجاوز التسعين عاما,وفي أي بقعة من هذا الوطن الكبير,وسأله عن الآمن والآمان في قديم الزمان…لسمع عجبا ولحمد الله وأثنى عليه ولسجد له شكرا وعرفانا,أنْ بدّل الله خوف العباد أمنا وسكينة وسلاما! وكم في كتاب الله عزوجل من الآيات الدالة على أهمية الآمن للإنسان,فقد امتن الله على قريش أنْ أمنهم من خوف وجعلهم متألفين وجعل لهم بلدا أمنا,فقال(لإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خوْفٍ} وذكر الله عزوجل دعاء ابراهيم الخليل عليه السلام,حين كان الآمن بمكة هو مطلبه الآول(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)وقال عليه الصلاة والسلام (منَ أصَبْحَ منِكْمُ آمنِاً فيِ سرِبْهِ ، معُاَفىً فيِ جسَدَهِ ، عنِدْهَ قوُت يوَمْهِ ، فكَأَنََّماَ حيِزتَ لهَ الدُّنيْاَ)رواه البخاري! والمتأمل في بعض البلدان العربية والاسلامية والتي سقط فيهاالسلطان وقُقد فيها الآمن,واستباحها الغازي,وعثا فيها الصائل والسارق…سيتيقن حقا أن وجود سلطانٍ دكتاتوري أرحم من الانفلات والنهب والدمار واستباحة الآعراض والاموال والحرمات! بيد أن الآمن العام لآي شعب من الشعوب لايمكن أن يتحقق إذا اختل لديه الآمن الفكري الذي يُعد الداعم الرئيس للآمن والإستقرار,ولم يصحح بالطرق الدستورية والقانونية. فتلك الآوطان التي سُلبت منها نعمة الآمن قد اختلت جُل شرائح مجتمعها,واضطربت وتباينت فيها الرؤى والايدلوجيات,وكثُرتْ الشعارات التي ربما استمدت قوتها وتنظيرها من القوى الاستعمارية التي تسعى عادة لبسط نفوذها في مواطن القلاقل والصراعات,ليسهل عليها استنزاف خيرات تلك الاوطان! وبديهي أن لادستور ولا قانون ولانظام وضعه البشر في الآرض يعلو على دستور الاسلام الذي ارتضاه خالق البشر دينا للبشر,قال تعالى(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلامَ دِينًا)وقال (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ فهو الدين الذي يكفل للبشرية أمنها وسعادتها وتقدمها وازدهارها,من خلال تشريعاته المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفق المنهج الوسطي!! فهو البلسم الشافي والدواء الناجع لكل داء فكري عضال ولكل انحراف ايديولوجي بغيض,وهو الحل الذي بإذن الله يصنع المعجزات ويذلل العقبات في أحلك المخاطر وأسوأ الازمات! ولاريب أن هذا الدستور العظيم بما يحمله من خير وفوز وفلاح,وبما يحمله من فضيلة وسعادة للبشرية جمعاء..يحتاج إلى تطبيق وحراسة ودعوة له بشتى الوسائل الحديثة,سواء ماكان منها مقروءا أومسموعا أومرئيا,حتى يعلم به الناس في كل حدب أو صقع من أصقاع الآرض! غير أن المؤسف والمحزن حقا أننا لانجد إعلاما مؤهلا تأهيلا سليما,لضعف جل كوادره,سيما المقرؤ منها كالصحافة التي باتت هي الداء العضال والسم الزعاف الذي يتجرعه حراس الآمن الفكري والفضيلة صباح مساء! وأجزم أن الذين يحرصون على أمن الوطن الفكري والعام هم حراس الفضيلة الشرفاء الآتقياء الوسطيون الذين خلصت نياتهم وصفت أفكارهم وساروا على كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم,فوطننا الكبير لم يقم ولم تستقم فيه الآمور إلا على صفاء المعتقد ونقاء الفكر بين أفراده,فهو لايقبل مايعكر صفاءه ولا يقبل ماوفد من تيارات وشعارات وإيديولوجيات لاتتفق مع الدستور والتشريع الاسلامي المؤسس عليه كيانه وشموخه,ولايقبل بضرب المعاول في قواعد البناء التي رُسمت معماريا وهندسيا وفق الفهم الصحيح للكتاب والسنة,ولن يتخلى عن خصوصيته وفضله ورسالته,مهما حاول صناع الكوابيس من تغريبيين ولبراليين وسفهاء إلى ذلك سبيلا! وليس هناك أدنى شك أن التطرف الفكري إلى أقصى اليمين يعادل التطرف الفكري إلى أقصى اليسار,فالآول يفرخ إرهابيين ضالين يظنون أنهم هم المنافحون عن الاسلام وعن الآمة,لكنهم هم الذين يسيئون للاسلام والمسلمين على مر العصور والازمان. والثاني يفرخ التغريبيين واللبراليين وأهل الآهواء,وهم الذين يسعون إلى سلخ الآمة عن ثوابتها وقيمها,امّا عن جهل أو عن قصد.. باسم التنوير, وهذا هو الموت البطيء للآمة قاطبة وعلى نار هادئة تحرق الآخضر واليابس! وكلا الفريقين يزعزعان الآمن الفكري الذي كلما تزعزع سقط من الآمن العام لبنة,والفرق بينهما أن المتطرف الآول يشهر سلاحه عيانا بيانا,وأما المتطرف الآخر فهوالذي يدس السم في الطعام ولا يكر ولا يفر..وربما كان أدهى وأمر!!! وقد علمتْ الدنيا بأسرها أن هذا الوطن الكريم,حكومة وشعبا..هوالحارس الآمين لهذا الدستور وأنه هو رمز الفضيلة والآمن والصلاح,وأنه صاحب الخصوصية الآولى,فضلا على أن الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة فوق ثراه,وأنه مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين وقبلتهم! وبديهي أن حراسة الفضيلة في هذا البلد الكريم لاتتحقق البتة إلا إذا عُمل بدستور البلاد الذي لايقبل الفكر الآعوج,والذي يأخذ على أيدي أدعياء الرذيلة والانحلال وأدعياء الضلال! وأن الآمن العام لايتحقق إلا بحرّاس الفضيلةالذين هم الحراس الحقيقيون للوطن,وأن الفضيلة لاتكتمل ولاتتحقق تماما إلا إذا قُضي على الآفكار الهدامة المدمرة,مابين فكر خارجي ضال وفكر تغريبي منحرف!