يقول صاحب القصة : في يوم من الأيام وعندما كنت في أحد اللقاءات الثقافية في دولة عربية .. وبطبيعة الحال كان في الحضور رجال ونساء .. فكان الدكتور المحاضر يتحدث عن أمور اجتماعية عدة ثم تطرق إلى عمل المرأة .. وتوجه للحاضرين والحاضرات بسؤالٍ عن رأيهم في عمل المرأة .. فاحتدم النقاش بين مؤيد وهم الأكثرية ومعارض وهو المحاضر ومعه القليل. ولم أشعر إلا وعين المحاضر تتجه إلي استنجاداً بي لعله يجد عندي مبتغاه .. وخاصة أنه رأى لديّ المؤهلات الكافية لأن أكون مؤيداً له ( سعودي .. لحية طويلة .. ثوب قصير ) أشار المحاضر إلي قائلاً : هاه .. ماذا تقول يا أستاذ .. هل تؤيد ما تسمع ؟.. اتجه الحضور بنظراتهم إليّ منتظرين ماذا عساه يقول رجل بهذه الصفات .. قلت : يا دكتور .. لا يستطيع أحد أن يحرّم عمل المرأة بإطلاق ..وأنا لست ضد عمل المرأة.. بل إن زوجتي صارحتني يوماً ما برغبتها في العمل كمعلّمة .. فقلت لها : إن العمل من حقك .. لكنني أشفق عليك وأشعر بأن عملكِ بهذه الطريقة هو ظلم لكِ .. فأنت في حقيقة الأمر ستعملين في الليل والنهار .. وأنا سأعمل في النهار فقط .. فنحن نخرج للعمل في الصباح سويّاً .. ثم تعودين أنتِ إلى البيت لتعدّي وجبة الغداء .. وأنا أرجع إلى البيت لأنام ثم أستيقظ لأجد غدائي جاهزاً .. ثم تشتغلين أنتِ بترتيب البيت والعناية بالأولاد وغسيل ملابسهم ثم إعداد العشاء .. بينما أخرج أنا في نزهة أو زيارة .. ثم أرجع إلى البيت لأتناول العشاء.. وبعدها اتجه إلى مكتبي لأنهي بعض اتصالاتي .. أما أنتِ فتنشغلين بأطفالك حتى يناموا .. ثم تتجهين لتحضير دروسك في اليوم التالي .. وأنا غارق في النوم .. ثم تستيقظين في الصباح الباكر لتعدّي الإفطار لأطفالك ثم تنطلقين إلى عملك .. وهكذا كل يوم ..! فبالله عليكِ.. أليس هذا العمل شاق وظلم لكِ ؟ ألست أنا أقدر على العمل منكِ ؟ وإن كان ولا بدّ من العمل لأجل تحسين الوضع المادي فأنا سأعمل في النهار وسأعمل ساعات إضافية في الليل .. أما أنتِ فتفرغي للعمل مع أولادك وبيتك .. ولا مانع أن تجربي العمل عن طريق الإنترنت .. لكن يظل أن العمل من حقك ولا أستطيع أن أحرمك منه انتهى حديثي مع زوجتي . التفتّ إلى الدكتور المحاضر والحاضرين في القاعة – وأعينهم تقدح بنظرات استفهامات وتعجب .. وكأنهم يستمعون لهذا الكلام لأول مرة .. أكملت قائلاً : وفعلاً فأنا أعمل بالنهار ولدي أعمال بالليل وأما زوجتي فهي تعمل في متابعة الأولاد وتدبير شئوننا العائلية .. كما أن لها أعمالاً عن طريق الإنترنت أساعدها عليها .. فارتسمت ابتسامة السرور على وجه المحاضِر وكأنه وجد في كلامي مبتغاه وأخذ يتنقل بعينيه بين وجوه الحاضرين متفاخراً .. ثم ارتفع صوت نسائي في طرفٍ من القاعة ينطق بحقيقة تمنيت أني لم أسمعها : (نحن يا دكتور بكل صراحة لو لم نتوظف لن يتزوجنا أحد ) . أيها القارئ الكريم انتهت القصة .. لكن صدى تلك العبارة المؤلمة لا يزال يدوّي في أذني ..! (نحن نبحث عن الوظيفة لأجل الزواج ) عبارة نحتاج إلى الوقوف معها بصدق وتجرّد .. وخاصة أنها خرجت من مجتمعات سبقونا إلى خروج المرأة للعمل بعشرات السنين ..وصنعوا منها الوزير والسفير .. بالله عليكم أي نخوة تحملنا على تكليف المرأة بما لا يطاق فتكون عاملة في النهار في مرافق الدولة المختلفة ثم عاملة في الليل في العناية بأطفالنا .. إن ما تقوله تلك المرأة ليس مبالغة أو تجربة فردية بل هو حقيقة وأشبه ما يكون بالظاهرة .. وللأسف أنه بدأ يغزو مجتمعنا .. وفي دراسة ذكرتها جريدة المدينة أن نسبة قرابة 63% من السعوديين يفضلون الزواج من موظفات .. ولعل اللوم لا يقع على الشاب ولا على الفتاة في هذا الخيار .. بل يقع على المجتمع الذي يضطرهما لهذا الجفاء والعناء .. فبالله عليكم .. أي إنسانية ومحبة وتراحم نرجوها في مجتمع تبحث فيه المرأة الضعيفة عن الوظيفة لأجل الاقتران بشاب .. وفي المقابل يبحث الشاب عن المرأة لأجل وظيفتها .. ! ما ظنكم ببيت تأسس على الكذب والخداع من أول يوم ..؟ هل هذا ما يريده داعيات التغريب في بلادنا .. ؟ لا أظن أننا بحاجة إلى إجراء دراسة لإثبات فشل كثير من الزواجات القائمة على الطمع بوظيفة المرأة.. لأن الواقع يثبت ذلك بكل جلاء .. بل الفطرة تُنبِؤنا بذلك .. لأن جزء من قوامة الرجل هو شعوره بحاجة زوجته إليه.. فعندما ينفق عليها تغمره مشاعر الرحمة والرأفة بها وبأطفالها .. ويعيش حياة هانئة مستقرة مع زوجةٍ يسكن إليها وتسكن إليه .. زوجةٍ يكمِّلها وتكمِّله .. يساعدها وتساعده .. يشفق عليها وتحنو عليه .. لذلك لم تستطع المحامية الفرنسية (كريستين) إخفاء حسدها للمرأة المسلمة بعد أن زارت بعض بلاد الشرق المسلم في الماضي القريب فقالت : ( سبعة أسابيع قضيتها في زيارة كل من بيروت ودمشق وعمان وبغداد وها أنا ذا أعود إلى باريس،فماذا وجدت؟ وجدت رجلا يذهب إلى عمله في الصباح يتعب يشقى، يعمل حتى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حُبٌّ وعطف ورعاية لها ولصغارها. . والأنثى في تلك البلاد لا عمل لها إلا تربية جيل، والعناية بالرجل الذي تحب، أو على الأقل بالرجل الذي كان قدرها ) قد يظن البعض أن خلافنا مع دعاة التغريب هو في الاختلاط فقط .. لكن الحق الذي لا نستحي من ذكره هو أن خلافنا مع دعاة التغريب هو في أصل عمل المرأة والدفع بها للخروج بهذه القوة .. إننا نختلف مع دعاة التغريب في أصل تسمية المرأة المعتنية بأطفالها وبيتها بالعاطلة .. لأنها بالفعل ليست بعاطلة بل هي عاملة وتقوم بدور ضخم في المجتمع .. نحن نختلف مع دعاة التغريب في اعتبارهم أن المرأة المشاركة في تنمية البلد هي فقط المرأة التي تبيع للناس أو التي تطهي الطعام للأغراب أو تدير مجموعة في متجر .. أما المرأة التي تدير منزلاً يحوي أطفالاً يواجهون زمناً صعباً .. هي امرأة في ظنهم ليست مشاركة في التنمية .. !! يقول الدكتور (سوليفان): (إن السبب الحقيقي في جميع مفاسد أوروبا وفي انحلالها بهذه السرعة هو إهمال النساء للشؤون العائلية المنزلية، ومزاولتهن الوظائف والأعمال اللائقة بالرجال في المصانع والمعامل والمكاتب جنبا إلى جنب ) نعم أخي الكريم .. بل إنك لتعجب من بعض دعاة التغريب في بلادنا .. الذين يريدون من المرأة أن تكون بائعة هوى أو موظفة طيّعة .. لكن عندما تحوم الاستفهامات حول حياتهم الخاصة فإنهم يحرمون المرأة من حقوقها المزعومة .. وهاهو ذا الكاتب الروائي الشهير(إحسان عبد القدوس) الذي أغرق السوق الأدبية برواياته الداعية إلى خروج المرأة من البيت والاختلاط بالرجال ومراقصتهم في الحفلات والنوادي والسهرات، يقول في مقابلة أجرتها معه جريدة الأنباء الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 18/1/1989: ( لم أتمنى في حياتي مطلقا أن أتزوج امرأة تعمل، فأنا معروف عني ذلك، لأنني أدركت من البداية مسؤولية البيت الخطيرة بالنسبة للمرأة!!) نعم .. نحن كنا ولا زلنا نختلف مع دعاة التغريب لأنهم يصرّون على إخراج المرأة للعمل خارج بيتها .. مع أن هناك وسائل كثيرة تستطيع المرأة من خلالها خدمة مجتمعها دون الإخلال ببيتها وأطفالها .. وليت داعيات التغريب في بلادنا يستفيدون من تجربة الأديبة الكويتية (ليلى العثمان) في مقولتها الشهيرة والتي فيها :( سأعترف اليوم بأنني أقف في كثير من الأشياء ضد ما يسمى بحرية المرأة ..تلك الحرية التي تكون على حساب أنوثتها ..وعلى حساب كرامتها ..وعلى حساب بيتها وأولادها….ثم تقول :أنا أنثى أعتز بأنوثتي ..وأنا امرأة أعتز بما وهبني الله ..وأنا ربة بيت ..ولا بأس بعد ذلك أن أكون عاملة أخدم خارج نطاق الأسرة ..ولكن – ويا رب أشهد – بيتي أولا ..ثم بيتي ..ثم بيتي ..ثم العالم الآخر) نعم أخي القارئ ونحن نختلف مع دعاة التغريب في استغلالهم للمرأة العاملة لأنها تَقْنَع بأي عمل وبأي أجر .. وهي الحقيقة التي تكشفها الدراسات عن واقع المرأة الموظفة في ( أمريكا ) حيث تتقاضى أجرًا أقلّ بنسبة 26% من الرجل الذي يؤدّي العمل نفسه كما يقول تقرير لمعهد أمريكي يدرّس السّياسات الخاصّة بالمرأة الأمريكيّة صدر في نوفمبر عام (2000م). وفي (فرنسا) يزيد مرتّب الرجل على المرأة ب 31.9 % خلال عام 1991م . إننا نعيش كمبتعثين في المجتمعات الغربية ونشهد حالة الاستغلال التي تعانيها المرأة في تلك المجتمعات .. وأذكر مرة أنني توجهت إلى محلٍّ لأستبدل عبوة الغاز .. فإذا بي أتفاجأ بأن الذي يفتح باب السيارة ليستبدل العبوّة هو امرأة اضمحلّت أنوثتها بين سواعدها المفتولة !.. واختفت براءتها خلف وجهٍ ملطّخٍ بحمم السواد .. يا لله .. يا لها من حياة بغيضة .. حياة الجفاء والاستغلال .. إننا نختلف مع داعيات التغريب الذين يجحدون النعمة التي يعيشونها.. ويرفضون قوامة الرجل عليهم برغم أن الله أمر بها.. وبرغم أن سنن الحياة تقتضي أن يكون لكل سفينة قبطان ولك مجموعة أمير .. وأنه بغير هذا تفسد الحياة وتنتشر الفوضى .. لذلك فإن غضب داعيات التغريب هو في الحقيقة غضب على شريعة الله التي أعطت القوامة للرجل .. لحكمة يعلمها الله .. نعم .. نحن نعلم أن هناك ظلماً وتعدّياً واستغلالاً وسوء قوامة وقع فيها بعض الرجال لكن هذا لا يبرر لنا أن ننقلب على فطرة الله التي فطر الناس عليها .. وتأمل في صراحة الكاتبة المشهورة (غنيمة المرزوق) رئيسة تحرير مجلة أسرتي عندما تقول : (وصلنا إلى المناصب القيادية واختلطنا بالرجال ، ..الرجل كما هو ..والمرأة غدت رجلا تشرف على منزلها وتربي أطفالها وتأمر خدمها ..وتقف مع المقاولين وتقابل الرجال في العمل .. أثلجت صدورنا انتصاراتنا النسائية على الرجال في الكويت لكن أقول لكم بصراحتي المعهودة : ( ما أجمل الأنوثة ) وما أجمل المرأة ..المرأة التي تحتمي بالرجل ، ويشعرها الرجل بقوته ، ويحرمها من السفر لوحدها ويطلب منها أن تجلس في بيتها ..تربى أطفالها وتشرف على مملكتها وهو السيد القوي ..نعم أقولها بعد تجربة ..أريد أن أرجع إلى أنوثتي التي فقدتها أثناء اندفاعي في الحياة والعمل .. ) اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.. وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.. اللهم استرنا فوق الأرض .. واسترنا تحت الأرض .. واسترنا عند العرض.. وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. * ملاحظة : مصادر بعض هذه النقول مثبتة في كتاب (لمحات من معاناة الأيدي العاملة الناعمة) للشيخ خالد الشايع.