قد يستغرب البعض سرعة وسلاسة هذا الاتفاق ، وهذا الائتلاف ،وهذه المصالحة التي كانت تتعقد في السلم فكيف تتيسر وتتفق في اضطراب المنطقة وتهاوي عروش الأنظمة المستبدة والقاهرة لشعوبها . فعلا القضية الفلسطينية قضية إسلامية وعربية وهي مفصلية وتؤرق المنطقة منذ زمن واليوم تتعقد أكثر وتستأنس إسرائيل أكثر وأكثر . وكلنا يذكر الجهد الذي قدمته السعودية وبذله خادم الحرمين في اتفاق مكة ومع ذلك ما أن عاد الأخوة الفلسطينيون إلى ديارهم حتى اختلفوا وتبعثر هذا الاتفاق وذهب سدى. لكن في تصوري أن الأمر طبيعي ، وأن الأمور عادة إلى طبيعتها، وأن من كانوا مشغولين بتأجيج القضية والمتاجرة بها أمام العالم ، وأمام شعوبهم والمجاهدة في أخذ دور فيها -وياليتها كانت تهمهم ويهمهم الشعب الفلسطيني كان استفاد الشعب الفلسطيني وحلت قضيته وغطت شيئا من ظلمهم وقمعهم لشعوبهم وحفظت ما ء وجوههم لكن ما كان يهمهم غير ذلك ما كان يهمهم سوى أنفسهم وبقاء عروشهم- فليبيا انشغل القذافي بنفسه ، والقتال من أجل البقاء في السلطة ، وأن تبقى ليبيا ملكا له ولأبنائه فهذه المصيبة كبيرة جدا أذهلته وأشغلته عن زرع الفتنة، وتأجيجها بين الأخوة الفلسطينيين. ومصر انشغلت بثورتها . وسقط نظام حسني الذي يجد من القضية الفلسطينية ورقة سياسية كبيرة، وفرصة للمتاجرة والحضور الفاعل ضمن عملية السلام . أما سوريا فدعاية مقاومة إسرائيل ، وأنها تقف على الجبهة وخط المعركة مع إسرائيل كلها سقطت وانكشفت بمجموعة بسيطة من المتظاهرين السلميين وعاد الجيش يحاصر ويقتل شعبه فالمجازر التي يرتكبها في حق شعبه ألهته، وأشغلته عن التدخل في القضية ، وتأجيج طرف على آخر. وهذا النظام بشعاره الزائف يدعي أنه المقاوم الأول لدولة الاحتلال ، ولذلك ضمان بقاؤه هو عدم الصلح بين الأخوة ؛ لأن القضية قد تنحل والمشكلة تزول فتذهب الشعارات الرنانة أدراج الرياح ، ويسود الهدوء . وهم يدغدغون شعوبهم والمنطقة بقتات هذه الشعارات الزائفة، ولو كانت هذه الخطب والشعارات التي تنطلق من إيران ، وسوريا مرورا بالأنظمة الدكتاتورية صحيحة لأطلقت إيرانوسوريا قذيفة أو صاروخا عتيدا على دولة الاحتلال – ولنقدم تنازلات – لو فقط سوريا التي ترتكب مجازر في حق شعبها وتحاصره وتقتله بآليات الجيش الثقيلة التي دفع الشعب السوري قيمتها من عرقه وكده وكفاحه ؛ لو نقلت هذه المدرعات والترسانة العسكرية إلى منطقة الجولان ، ونوت تحريره من إسرائيل؛ لكن شيئا لم يحدث من ذلك ، كلها زيف ودجل وإدعاء، وهذه الثورات كشفت زيف هذه الشعارات ، وبان العدو الحقيقي لهذه الأنظمة المستبدة ؛فأمريكا والغرب وإسرائيل إنما هو غطاء لكل سلبياتها ، وإنما عدوها الحقيقي الذي تترس منه بأعتى أنواع الأسلحه هم الشعب البسيط الأعزل . الأنظمة المستبدة اليوم تصارع من أجل الكرسي، وتحولت معركتها ضد شعوبها واقتصر شرها على أبنائها وبسقوطها سيزول الظلام ويتجلى النور ويعم السلام وخاصة سوريا وليبيا وإيران بالطريق -إن شاء الله- فهؤلاء هم مصدر بلاء المنطقة بعد إسرائيل وهم مصدر القلاقل والفتن بالمنطقة لأنهم يمارسون نفوذا على بعض الجماعات ويأججون طرف على آخر ولاهم لهم إلا إيقاد الفتن وتفريق الصف العربي . المصالحة قطفت الثمرة سريعا ولم تنضج بعد . فأعداؤهم مشغولون بمعاركهم ، وإسرائيل منهمكة في متابعة الأحداث في المنطقة ، وهي ترتب أوراقها لاختراقاتها القادمة فالتحول الديمقراطي فرصة لها ؛ لكن على تونس ومصر وكل الدول المتوجهة نحو الديمقراطية أن تحذر أشد الحذر من أعداء الثورة ، وأعداء الأمة الإسلامية والعربية: إسرائيل، وإيران. ولذلك لاحظنا عدم صبر إيران ، وتعجلها في كشف مخططها؛ عندما سارعت لبناء علاقات جديدة ، ومتينة مع حكومة مصر الجديدة- وياويل الأمة العربية من هذه العلاقات المزعومة مع إيران- فإن كان لهذه الأنظمة القمعية من إيجابية، وخاصة مصر، فهي وعي مخابراتهم لاختراقات إيران وإسرائيل ، وعلينا أن نكون حذرين أشد الحذر من اختراق هذين العدوين وأن نتعامل معهم بحذر، وبمراقبه شديدة . وعلى الجيش التونسي والمصري أن يسدوا فراغ التحول الديمقراطي جيدا، وأن يكونوا أشد وعيا وحذرا من محاولات هؤلاء الأعداء المعروفين بمكرهم وخداعهم ونذالتهم ؛ فهم كالخفافيش يستأنسون بالظلام ويجهرهم النور ويفضحهم النهار نسأل الله أن يحمي مجتمعاتنا الإسلامية والعربية من حقدهم وكيدهم وأذاهم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. سطور أخيرة : إذا كانت المصالحة الفلسطينية قطفت ثمرة من ثورات العرب فإن إيران – دون مبالغة- تجد من هذه الثورات فرصة سانحة وعاجلة للدخول بأقصى سرعة والتمدد وبث عملائها داخل نسيج الوطن العربي فعلى تونس ومصر وليبيا أن يحتاطوا وأن يرفضوا أي تقارب وبناء علاقات مع هذه الدولة المقلقة والمؤذية لكل من حولها.