يبدوا أن استغلال القرار الملكي بخصوص حصر الفتوى في استمرار توقيف قناة فضائية إسلامية بحجم قناة "الأسرة" ومنعها من البث، يعد من الإصرار على الذنب، وقد سمعنا عن أخريات من القنوات الفضائية المخالفة عادت إلى مواصلة بثها إلا قناة الأسرة! ورأينا جميعا بعض الكتّاب من يكادُ قلمه يطير من سعادته الطافحة ويقفز من بين السطور وهو يباركُ للقائمين على صنابير البث الفضائي هذا المنع الحضاري الرائد… !! إن قناة "الأسرة" التي يديرها ويشرف عليها الدكتور محمد بن عبد الله الهبدان, والتي بدأت بثها على قمر "عرب سات" قد تم إيقافها في أقل من سنة من بثها، وكانت تبث برنامجا يوميا للفتوى بعنوان "يسألونك" ,وكان لابد قبل أن يقعَ قرار منع البث والإيقاف النهائي أن يتم إخطار مالكي القناة والقائمين عليها وإنذارهم ، وهو ما يعطي الفرصة للقائمين على هذه القناة الإسلامية وغيرها لتصحيح أوضاعهم، وذلك منعاً لفوضى الإغلاق المتعنّت الذي لا يقل خطره عن خطر فوضى الإفتاء. وفي تصريح للدكتور الهبدان نشره في الإنترنت أفاد بأنه بعد صدور القرار الملكي بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء تم الرجوع إلى الجهة المنوطة بترتيب آلية الفتوى وهو سماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وسؤاله من قبل الدكتور الهبدان: هل نستمر على برنامج الفتوى أم نتوقف؟ فأفاد سماحته بالاستمرار على برنامج الفتوى حتى تصدر آلية تنظيم الفتوى .. وبناء على ما قاله سماحة المفتي تم الاستمرار على برنامج الفتوى . إن جمهور المشاهدين للبث الفضائي الإسلامي داخل بلادنا وخارجها في حاجة ملحة إلى إعادة عمل قناة الأسرة الإسلامية لمواجهة الهجمة الشرسة للفضائيات التي راحتْ تعبثُ في الآونة الأخيرة بوحدة وأمن بلادنا، وهو ما يجعل التوقيفَ في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلادنا والمنطقة بأسرها يعبر عن استجابة ًلوجهة نظر طرف علماني أو منافق، همّه بالمقام الأول إسكات الفضائيات الإسلامية، بحجة إعادة التوازن إلى البث الفضائي الإعلامي..! وبما أن الحساسية المفرطة لِما هو إسلامي هي- في الحقيقة- ما يُحدثُ ذاك الهرَش (الحكّة) في جلد العَلمانيين والليبراليين، فإن هؤلاء أعلنوا صراحة أنه ليسَ من المعقول أن تزحَمَ الساحة الإعلامية الفضائية بهذا الزخم الشرعي من القنوات التي تضافرت على إيصال الصوت الإسلامي وربْطِ ينابيعه الرئيسة بالجماهير الغفيرة التي انسجمتْ مع إيقاعها، في حين بالكاد نجد قنوات فاسدة عرجاء وكسحاء لا تجد تجاوب من معظم شرائح المشاهدين مع أفكارها ومبادئها وأهدافها التغريبية. هل من العدل والإنصاف أن تستمر فضائيات هدامة، وقد كشف زيفها وبريقها المخادع القنوات الإسلامية فانكشفت وانحسرت أمامها كما تنحسر الظلمة ُالداجية حينَ يفلَقُها صُبْحٌ أبلجٌ؟ أم هل من العدل والإنصاف إيقاف بث قناة الأسرة الإسلامية تحت مظلة التوازن لصالح القنوات الفاسدة التي تنشر سمومها هنا وهناك.. !!! إن استمرار وقف قناة الأسرة دون أن يتسنى لها تصحيح أوضاعها، واستمرار نزيف الخسائر المالية التي تكبدتها القناة وفق تصريحات أصحابها التي بلغت أكثر من 50 مليون ريال، وفسخ العقود التي وقعتها القناة مع الشركات والمؤسسات الأخرى، والزجّ بالعشرات من العاملين في هذه القناة إلى سلة البطالة بعد قرار الإغلاق، كل ذلك ينبئ برائحة غيْر بريئةٍ تنتشرُ واضحة ًمع استمرار قرار الإغلاق ، الذي ليسَ له من معنىً في النهايةِ إلا الإجهاز على قناة شرعية إسلامية رافضة للعلمنة وإذابة وتمييع المجتمع السعودي في هويته وثقافته وروافدِ مبادئه الموصولة بتراث الأوائل من السلف. وهل يا ترى ضاق فضاءُ البث على قنوات مثل قناة الأسرة الإسلامية، بينما اتسع أمام مئات القنوات التغريبية المائعة الفارغة، لدرجة إن المشاهد منا لا يكاد يجدُ فجوة فراغٍ بينها -لكثرتها- يستريحُ معها الربوت كنترول؛ دعكُمْ من أساليب استغباءِ المشاهد السعودي الذي ولله الحمدُ لمْ يعُدْ ذاكَ الحمل الوديع الذي يقتاده العلمانيون، يومَ كان العلمانيون يكتبون ويجاهرون على منابرهم بأن العصرنة الحديثة قد أحالتِ كتبَ الشرع الصفراء للمتاحف.. !! إن قناة الأسرة وغيرها من القنوات الإسلامية هي بمثابة سد منيع أمام منهج إضعاف العقائد وتحطيم الأخلاق الذي تمارسه قنوات الخلاعة والمياعة على مَهل ومُكْثٍ، هذا السد الذي وقف بثبات أمام مناوشة اللغة العربية-التي يعلم التغريبيون أنها وعاء القرآن الكريم- وإنزالها من مكانتها السامية، ووقف أيضاً أمام اكتساح المناهج الدراسية والنظم الاجتماعية التي تقوم على القرآن والسنة في بلادنا. إن صعود جماهيرية قناة الأسرة وغيرها من القنوات الإسلامية أربك حسابات أرباب التغريب الفكري والثقافي بسطوع هذه القنوات الإسلامية المختلفة في سماء البث، والتي -بالرغم مما يُوجَّهُ لها من انتقاداتٍ- إلا أنها استطاعتْ في فترة وجيزةٍ لمَّا تتجاوزْ في معظمِها مرحلة البث التجريبي أن تحيي ما سعَى أولئكَ الشياطينُ إلى إماتته في التزامها وحجابها وسمتها الإسلاميِّ العام. وفي ظني أن النجاحَ الذي ترتبَ لهذه القناة جماهيريًّا وبصرف النظر عن وقوعها في هفوة مخالفة قرار حصر الفتوى والذي برر المشرف العام أنه أخذ الأذن من المفتي العام في استمرار البرنامج ، كان ذلك النجاح هو السبب الرئيس في تأليب الجهات المعنية ضدها والعمل على التعجيل في إيقافها دون توجيه إنذار للقائمين عليها لتصحيح أوضاعهم ومعالجة الخطأ الذي هو غير مقصود على الإطلاق.. !! وأعتقد أن الوقت قد حان لإعادة النظر في قرار وقف قناة الأسرة أسوة بغيرها، فليس من المعقول أن يستمر القرار رقم (13539) وتاريخه 22/9/1431ه والمتضمن طلب إيقاف البث المباشر للقناة، مبرراً ذلك بكون القناة تعمل بترخيص تم شطبه بعد صدوره لكونه بني على معلومات غير صحيحة، وبعد ان قام الدكتور محمد بن عبدالله الهبدان بمقابلة وكيل وزارة الإعلام في مكتبه وأثبت له أن ما جاء في قراره بني على معلومات غير دقيقة وأن السجل ساري المفعول، إلا أن سعادة الوكيل اتصل هاتفياً بالمشرف العام عن القناة بعد ذلك وطلب منه بشكل نهائي إيقاف البث دون أن يذكر له أي مبرر..!