كان الفيلم الأمريكي منذ منتصف القرن الماضي وسيلة أمريكا الرئيسية للغزو الثقافي، وكانت صالات السينما في أوروبا وبقية العالم يتسيدها الفيلم الأمريكي .محتوى الفلم الأمريكي – بشكل عام- يمثل العقلية الأمريكية في رؤيتها للآخرين، في تفسيرها للأحداث، في تحليلها للعلاقات بين الأمم والأفراد والشركات، باختصار هي رؤية أمريكية لأمريكا الدولة والمجتمع والعالم بأسره.. هذه العقلية انعكست أحيانا في تعامل أمريكا – الدولة- مع الأحداث، مع الأمم الأخرى من منطلق الفيلم الأمريكي. رسخ الفيلم الأمريكي القوة العظمى لأمريكا الدولة ولأمريكا المؤسسات ولأمريكا الفرد، الدولة القادرة على الوصول لجميع من يهددها (من الإرهابيين المزعومين) وقتلهم في عقر دارهم والشواهد على هذا لا تعد . الطريف والغريب أن تتقمص هذه الدولة أسلوب مخرجي أفلام الإثارة الأمريكية في تنفيذ عملية قتل بن لادن (الإرهابي الأول في نظرهم) .السيناريو الذي عرض لما حدث ذكرني بكثير من الأفلام ذات النسق ذاته وكأن المسؤول عن العملية مخرج سينمائي وليس مدير الاستخبارات الأمريكية وبإشراف من رئيس أمريكا. بعض التفاصيل في الفيلم/الحدث كانت غائبة وكنت أتوقعها (حسب المعتاد في الأفلام الأمريكية): أولا صور لعملية الإنزال من الهيلوكوبتر، طبعا يسبقها عرض مفصل لمكان العملية المستهدف وصورا متعددة (فوتوغرافية) يحملها الجنود (للمقارنة والتأكد من الشخص أي بن لادن)، أيضا توقعت صورا لعمليه الاقتحام (عادة الجنود يحملون في خوذاتهم كاميرات تنقل صورا حية على الهواء لمركز القيادة من مسرح العمليات). أيضا توقعت صورا لابن لادن مضجرا بدمائه وبعضها مقرب لزيادة المصداقية..!! أيضا صورا لعملية الانسحاب والرجوع للقواعد، وأخيرا صورا للجثمان أثناء تجهيزه على الطريقة الإسلامية (عفوا الأمريكية) للتأكيد للمسلمين بحرمة الجسد والتمثيل بالجثة، وصورة أخيرة لنهاية المراسم بإلقاء الجثة في البحر لإثبات أنه لم يتبقى من الإرهابي الأول شيء يثبت إن كان موجودا. مقتل ابن لادن وسيناريو إخراج الفيلم الأمريكي (بأسلوب رامبو) يثير الكثير من التساؤلات (خبير استراتيجي قال إنه قتل قبل أسبوع!!) لما لم يتم القبض عليه؟ لماذا لم يحاكم (مثل غيره من أسرى غوانتنامو)؟! لماذا لم تعرض الصور الحقيقية للعملية؟! لماذا تحليلDNA إن كان الرجل معروفا مسبقا وهذا مكانه ومقره؟! لماذا لم يعرض بقية من قبض عليه في المسكن من أهل بن لادن؟! لماذا لم يقتل بعض أفراد أسرته؟! إن مقتل بن لادن – إن ثبت حسب الفيلم الأمريكي – يدل على انحطاط أمريكا وسقوطها أخلاقيا وقيميا وقانونيا وهي التي تتشبث بحقوق الإنسان والعدالة والكرامة. إن السيناريو المعروض – إن صدق – لهو قمة في الاستهتار بالمسلمين وقيمهم وحرماتهم فضلا عن الاستباحة الكاملة لدولهم ومجتمعاتهم. إن الفيلم المعروض – لو كان حقيقة – لهو أكبر دليل على الهمجية الأمريكية وتطبيقها معايير وأساليب الأفلام الأمريكية وليس المعايير والقيم الإنسانية.. أخيرا تحياتي لمخرج الفيلم وكنت أتمنى أن يكون أكثر إثارة كما هي عادة أفلام الأكشن الأمريكية!!