فَخ ذكي لم يفطن له الكثير منا، وضعه لنا أستاذ مخضرم في إحدى امتحانات الدكتوراه، حيث قام بافتتاح ورقة الامتحان بتوجيه كٌتب بخط صغير في صدر الورقة يقول فيه: أجب على سؤالين اثنين مما يلي على أن يكون الثالث أحدهم، ففرح الجميع لاعتقادهم أن الامتحان اختياري ولم يفطنوا -مثلي- لشطر الجملة الأخير، والذي يجبرنا فيه أستاذنا على الإجابة عن التساؤل الثالث. وبعد انتهاء الامتحان -وكعادتنا أنا وزملاء دراسة الدكتوراه- وقفنا نراجع إجاباتنا، وإذ بأحد الزملاء يشير إلى ما قصده أستاذنا من صيغة التوجيه، فهرولنا جميعاً لمكتب أستاذنا المخضرم، والذي قابلنا بابتسامة عريضة ولقنٌنا درس لن ننساه طيلة حياتنا العلمية والعملية، قائلاً: إن الإعلامي:جذعه التروي، وعوده الأساسي اليقظة، وثمرته الفطنة حتى ولو كانت معاني مستترة دُست ما بين السطور. فمنذ ذلك الحين ظللت أعي صغير الأمر قبل كبيره، واستوعبت أن الإعلامي ينبغي أن يتسم بالفطنة والفراسة واليقظة، ولمِ لا؟!! وهو أحد صانعي الوعي، وصاحب رسالة في المجتمع. فالفطنة موهبةٌ فطرية وأداة مهمة من أدوات التميز في العمل الإعلامي، تُعينه على معرفة العلوم والتفكُّر والتدبر في الأمر قبل نقله أو نشره، وتقرّبه دوماً من الانفراد بالنجاح. والإعلامي الفطن محبوب عند الناس، مرغوب في مجالسته، يحل المعضلات بخبرته، ويتخلَّص من الإحراجات، ويستنبط الأحكام بفراسته، ويقرأ الواقع ويستلهم بها مقومات التفوق. فرس الرهان الرابح هو ذلك الإعلامي الذي يمتلك الفطنة والفهم، فمَن يرعى من الإعلاميين هذه الموهبة في نفسه، ويوجهها لخدمة حياته العلمية والعملية، وخدمة مجتمعه ورسالته التي يؤديها يفوز ويربح ويظفر بقلوب ومحبة المتابعين. فالعمل الإعلامي يحتاج إلى يقظة وتدريب وتعليم واطلاع؛ وقوّة بصيرة وكياسة. والإعلامي المتميز –برأيي- ينبغي أن تكون بصيرته نافذة، يدرك بواطن الأمور، ولا ينخدع بالمواقف الزّائفة، كما أنّه حاضر البديهة متّقد الذّهن لا يغيب عنه عقله وإدراكه في المواقف التي تستدعي ذلك. فالفطنة والكياسة والنباهة والذكاء والوعي واليقظة أمورٌ ينبغي أن يكون عليها الإعلامي، فتستنير بها بصيرته، وتُفَهِّمه ما لا يفهم غيره، فتراه قويَّ الملاحظة، سريع الفهم، نافذ البصيرة، ذكيَّ القلب، فلا يَخدع ولا يُخدع. والفطنة من أهم أسباب السلامة والخروج من المآزق والمفاجآت التي تملأ العمل الإعلامي، وبها يميز الإعلامي بين الصواب والخطأ، والحقِّ والباطل، والخير والشَّرِّ، والهداية والضَّلال، ويمكن أن يتحصَّل عليها الإعلامي باجتهاده، وكثرة تجاربه، وخبراته المتراكمة، ومعاشرته لأهل العلم والذَّكاء، والاستفادة منهم ومن تجاربهم، فيتولَّد عنده من الذَّكاء والفِطْنَة ومعرفة الأمور ما لم يكن لديه من قبل بفضل الاحتكاك بأهل الخبرة والحكمة. فالفطنة واليقظة التي قد تجدها في عقولهم، ما هي إلا دليلٌ على يقظة قلوبهم كأستاذنا ذاك الذي فخخ لنا ورقة الامتحان!