الخبرة في أبسط معانيها تشير إلى تراكم مجموعة من التجارب والمعلومات حول أمر أو قضية ما؛ سواء كانت هذه الخبرة في أحد مجالات العمل أو الحياة، ولا يكون الإنسان خبيرا بما فيه الكفاية إلا عندما يتعرض لتجارب تراكمية تولد لديه المعرفة والدراية بالأمر الذي يختص به، بحيث تمكنه هذه الخبرة من استقراء معطيات أي مشكلة والتنبؤ بوقوع النتائج المترتبة عليها وتصور الحلول الممكنة لها، بمعنى أن يحلل تحليلا منطقيا مجريات القضية التي يفكر فيها أو يتحدث عنها، فيقول عندما يحصل كذا فإن النتيجة على الأرجح ستكون كذا، وعند تشخيصه للمشكلة ينظر لها من جميع الزوايا ويقول حدثت بسبب هذا وغياب ذاك. وعموما الفائدة التي تعود بالنفع من الخبرة لا تتعلق فقط بتشخيص المشكلة وكشف أسبابها ومحاولة حلها سريعا إنما أيضا بفائدة كبيرة وهي القدرة على (التنبؤ) بعوامل المشكلة والخطر ومحاولة تفاديها في كل مجالات الحياة؛ في العمل، في العلاقات الاجتماعية، في الحياة الأسرية، باختصار في كل شؤون الحياة، وما يجب معرفته هنا ان الخبرة الاجتماعية تحديدا تكتسب بالفطنة اليقظة على الدوام، واستفادة الإنسان من معظم المواقف الاجتماعية التي يمر بها شخصيا أو تعرض لها المقربون منه، فقد يكون هناك اعتقاد سائد بأن فئة المثقفين والمتعلمين هم من يملكون الخبرة والرؤية الشاملة لمعظم مشاكل الحياة وهذا غير صحيح على الإطلاق، فأنا أعرف أشخاصا متعلمين تعليما عاليا، ويتمتعون بدرجة متقدمة في أحد أنواع الذكاء لكنهم للأسف لا يملكون معالجة أبسط مشاكلهم الاجتماعية بل على العكس؛ فبالرغم من انهم متقدمون في العمر ولديهم تجارب اجتماعية متعددة الا انهم لم يتمكنوا من الاستفادة من الدروس المتعددة التي قدمتها لهم الحياة وما زالوا يكررون علاج مشاكلهم بنفس الطريقة الخاطئة!! وفي مقابل هذه الفئة وجدت أناسا على قدر بسيط من الثقافة والعلم إلا أنهم قادرون على التعامل مع الصعوبات والمشاكل التي تواجههم بطريقة ذكية استمدوها من خبراتهم المتراكمة، لا أعتقد أن للعلم والثقافة قيمة لأي انسان ما لم تكن مترافقة مع عقلية فطنة تفهم معطيات الواقع الاجتماعي وتتكيف مع اصعب ظروفه وتكون لديها حلول وبدائل وخطط عند وقوعها في اصعب المشكلات، ليس المهم فقط ان تعرف ما هي الخبرة وكيف يمكن اكتسابها، المهم جدا ان تكون قادرا على اكتسابها في كل الظروف وفي كل المناسبات والمواقف التعيسة منها قبل الطبيعية، أن تكتسبها بعد نكسات الألم وعثرات الطريق، بعضنا رغم ذكائه غير قادر على بلوغ مرتبة الحكمة والخبرة أو حتى درجة قريبة منها، رغم ان حياته مليئة بالأحداث والتقلبات بل انه يواصل التورط في نفس مشكلاته بذات الطريقة وردات الفعل، وهذا لأنه يملك نفسية هشة تجعله يعاند ظروفه وينقم على وضعه وتكون آراؤه متطرفة تجاه الآخرين، يفقد الثقة في محيطه وتنتابه نزعات حزن تعميه عن رؤية أي جمال ونعمة في حياته، اذا كنت ممن يصاب بالخيبة سريعا ولديك نزعة لوم الآخرين دائما فلن تستفد من الدروس التي تقدمها لك الحياة، كن من أولئك الذين تخرجوا بخبرة عالية من جامعة الحياة، أولئك الذين نصف حكمتهم وحسن تصرفهم في المواقف الصعبة عندما نعجب بأحدهم؛ بالقول: "هذا من الذين علمتهم الحياة".