قلت في مقال قديم: هناك من الناس من يعيش في النتائج وهناك من يعيش في الأسباب.. والأمثلة على من يعيش في الأسباب كثيرة، خذ مثلاً الحدائق والمنتزهات تجد شخصاً يعجز عن إزالة “مخلفاته” التي تشوه منظر البيئة وتزعج من يرتاد هذه المنتزهات، ثم يتحدث مع أصدقائه عن “فساد” البلدية وعن تقصير عمال النظافة! وفي الشوارع وعند الإشارات يفتح باب سيارته ويرمي “نفاياته”!!! ثم يجلس متكئاً على أريكته في المجالس ليتحدث عن نظافة الشوارع في ماليزيا!!
إن رمي السجائر والمناديل وعلب المشروبات من السيارة في الشوارع أو الأماكن العامة، وترك الحدائق في قمة القذارة بعد التنزه فيها، وقس على ذلك التفحيط في المنتزهات ظاهرة نراها ونعيشها ونلاحظها في مختلف الأماكن.
رمي وترك المخلفات ظاهرة فيها مخالفات عدة؛ هي سلوك يدل على حب التخريب، ونقص حاد في الوعي، وخلل في التربية، وعدم تقدير لنعمة الطبيعة وعدم احترام للآخرين في أن يستمتعوا بالطبيعة، والهواء النقي، والبيئة الجميلة.. هذه الظاهرة سلوك مقزز؛ يلحق الضرر، ويشوه المكان، ودلالة على إهمال قيمة النظافة.
لا أعرف بالضبط سبب هذا التدمير لجمال البيئة وضعف ثقافة النظافة هل هو الجهل المركب أم غياب العقوبات أم أن التخريب عادة تأصلت في نفوس وعقول المخربين؟
لقد حرص الإسلام على قيمة النظافة والجمال وأكد عليها في نصوص متعددة، سواء عبر القرآن الكريم أو السنة النبوية، وكم رددنا في حياتنا عبارة “النظافة من الإيمان” التي يحفظها حتى الصغار.. لكن متى يعي الناس أن الآيات والأحاديث هي للتطبيق لا للحفظ والترديد؟
على كلٍّ حل هذه الظاهرة يكون أولاً من خلال الناس أنفسهم باستشعارهم لقيمة النظافة وأهمية كف وإماطة الأذى.. ويجب أن تقوم الأسرة بغرس قيم المحافظة على البيئة ونظافة الأماكن في عقول أولادها ليعتادوا هذه الثقافة وتنمو معهم.. وعلى الجهات المختصة فرض عقوبات رادعة بحق مشوهي البيئة.. وأعجبتني تغريدة للمرور السعودي على تويتر: رمي المخلفات من المركبة أثناء سيرها يعد عملاً مخالفاً للآداب العامة؛ حيث يلوث البيئة ويعد مخالفة مرورية. في مواسم الأمطار، وفصلي الشتاء والربيع تتزين الأرض بالعشب فتحلو “الكشتات” والطلعات للاستماع بالأجواء والترويح عن النفس، وهي لحظة عمرية رائعة نستعيد فيها نشاطنا وننعش فيها أرواحنا، لكنْ مخربو البيئة ومشوهو الجمال يفسدون المتعة بتلويثهم للبيئة وبالتخريب المتعمد، والأخذ على أيدي المخربين ضرورة، فتقدير البيئة ليس ترفاً بل هو مطلب حضاري وترفيهي ووطني.
* قفلة.. قال أبو البندري غفر الله له: أن تميط أذى، أو أن تضع القمامة في مكانها أمام ابنك فهذا أبلغ وأروع من عشرات الدروس ومئات المواعظ عن موضوع النظافة وإماطة الأذى! ولكم تحياااااتي