قال إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامه خياط إن الإنسان في صراع دائم في نفسه مع الشيطان، يقوم الإنسان يصلي فيأتي فيذكره من الدنيا ما لم يكن يذكر قبل الصلاة فيصرفه عن صلاته ويشغله عنها، فمجال الصراع الأول الخطير الذي يحرص الشيطان على السيطرة عليه هو قلب المؤمن، فإذا ملكه ملك صاحبه وسيّره وفق ما يريد وجعله ولياً من أوليائه، فإن أبى العبد فإنه لا يزال يهاجمه ويداوره وينتظر منه لحظة ضعف وغفلة، ولكن المؤمن الحق لا يكاد الشيطان يلم به في مثل هذه اللحظات حتى تتداركه رحمة الله فيبصر، مستشهدًا بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ). وأضاف فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام: يغفل بعض الناس عن حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وتدل عليها دلائل التاريخ وعبر الأيام، وهي الصراع القديم في حياة الإنسان، وأنه لا مناص من وجود عدو له يناصبه العداء ويتربص به الدوائر ويسعى إلى بلوغ النصر عليه، أو استلاب نعمة يرى آثارها ظاهرة عليه، أو لمجرد تعكير صفوه، وهو واقع لم يخل منه أنبياء الله ورسله، وهم خيرة الخلق، وصفوة المخلصين من خلق الله، الذين وقعوا على عداء من أقوامهم لا هوادة فيه، بلغ من الأذى والتكذيب ما لا نظير له، إنها سنة من سنن الله في خلقه، لا تتخلف ولا تتبدل، فلا مطمع لبشر في أن يسلم من عداوة عدو يكيد له ويتربص به، وأن يتحين الفرص للنيل منه والقضاء عليه. وأوضح فضيلته أن هذا الاختلاف هو منشأ الصراع، وبه يتعادى الخلائق ولأجله يختصمون، وإذا كان هذا أمراً حتمياً لا مناص منه ولا سبيل إلى السلامة من غوائله فإن على اللبيب الفطن أن يحدد عدوه تحديداً دقيقاً، يعرفه حق المعرفة، حتى لا يغتر به فيتخذه صديقاً يمحضه خالص الود، ومخلصاً له يفضي إليه بمكنون سره، ويظهره على مكنون سره، ويكون بذلك قد سعى بالإعانة على نفسه، وتمكين عدوه منه. وقد حذر سبحانه عباده المؤمنين بأن يتخذوا من عدوهم أولياء وأوصياء يكونون خواص لهم فيظهرونهم على أسرارهم وخفي أحوالهم، لأنهم لا يتوانون ولا يقصرون للسعي لكل ما فيه الشر والفساد والإضرار بالمؤمنين. وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن من منن الله علينا أنه سبحانه لما خلق أبانا آدم ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته أبان له شخص عدوه، وحذره من طاعته واتباعه، وذلك هو إبليس الذي أمره الله بالسجود لآدم فأبى واستكبر "فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى"، وكان من منن الله أيضا على ذرية آدم أن بين لهم أن الشيطان عدوهم ليأخذوا منه حذرهم وليؤمنوا مكرهم ويحبطوا كيده. وقال الشيخ الخياط إنه كما يتعين على اللبيب معرفة عدوه فكذلك يجب عليه تصحيح النية والتصدي له ومقاومته فلا يكون ذلك لمجرد الغلبة أو لإظهار القوة وشدة البأس أو للحمية أو للفخر والمباهاة، بل يكون مقصوده رضوان الله تعالى، وأن تكون كلمته سبحانه هي العليا. وبين فضيلته أنه لما كان الشيطان يعلم أن فلاح الإنسان وصلاحه وسعادته في الحياة الدنيا، ونجاته وفوزه في الآخرة عند ربه يوم القيامة متوقف على اتباع ما جاءه من ربه من البيّنات والهدى وامتثال أمره واجتناب نواهيه، كان حرصه الشديد وسعيه الدائم في صرفه عن طاعة ربه بتزيين المعصية في قلبه، كما فعل مع آدم عليه السلام. وقال فضيلته إن الناس منقسمون إلى قسمين: فريق يحب الله ويطيعه في أمره ونهيه وبما جاء به عنه رسله، وفريق آخر يتولى الشيطان ويطيعه ويأتمر بأمره، وأصحاب هذا الفريق هم الخارجون عن منهج الله، الحائدون عن صراطه المستقيم ودينه القويم، المائلون عنه إلى اتباع السبل التي تفرقت بهم عن سبيل ربهم على اختلاف مشاربهم وتنوع نحلهم ومذاهبهم على تعدد فرقهم وميولهم، والذي يجمعهم عامل الانحراف الأكبر وروحه وعماده وهو الحيدة عن منهج أهل السنة والجماعة وطريق سلف الأمة والمخالفة عنه إلى غيره من مناهج أهل البدع والأهواء، تلك المخالفة التي أورثت أهلها ضلالاً بعيداً، وأعقبت أصحابها إثماً مبيناً، وكفى بالمشاقة لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه واتباع غير سبيل المؤمنين، فإن ذلك لهم شؤم ووبال وسوء منقلب وقبح مآل. وفي المدينةالمنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة اليوم عن الدنيا وقصر مدتها وزوال زينتها وتقلب أحوالها الكثيرة. فمن تفَكّر فيها أدرك قدرها وسرها، ومن وثق بالدنيا فهو مغرور. وقال "إن قصر مدة الدنيا بقصر عمر الإنسان. إذ إن عمر الإنسان يبدأ بساعات ثم أعوام، ثم ينقضي عمر الإنسان على التمام" مشيراً إلى أن هذه الدنيا متاع. مستشهداً بقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) وقوله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا). وأضاف فضيلته قائلاً: "إن الله تعالى أخبرنا عن قصر مدة لبث الناس في قبورهم، وأنها كساعة، مستشهداً بقوله تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) وقوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ). فطوبى لمن فعل الأعمال الصالحات وهجر المحرمات ففاز برضوان الله وويل لمن اتبع الشهوات وأضاع الصلوات فسيهلك في الدركات. وتناول فضيلته أحوال من غرته الصحة فعصى، وأفسده الفراغ فلهى، ومن فتنه ماله فتردى، ومن اتبع هواه فهوى، وغره شبابه فنسي البلى. مستشهداً بما جاء في الحديث النبوي حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا من ذكر هادم اللذات، فإنه لم يذكر في كثير إلا قلله ولا في قليلٍ إلا كثره) وقوله عليه الصلاة والسلام (كفى بالموت واعظاً). وحثّ إمام وخطيب المسجد النبوي الغافلين على التوبة والاستيقاظ من الغفلة، وقال إن العبرة بالقرون الخالية، والمساكن الخاوية، وكيف صاروا بعد عين أثراً وبعد عز خبراً. مشيراً إلى أن في إقبال عام وإدبار عام عبراً. وبين أن الله فتح أبواب فعل الخيرات وترك المنكرات فلا يغلق أحد على نفسه أبواب الرحمة بمحاربة الله بفعل الذنوب، مستشهداً بقوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ). ودعا فضيلته المسلمين إلى اغتنام زمن العافية، لقول رسول الهدى عليه الصلاة والسلام: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، وأوصاهم بتقوى الله حق تقاته، لأن في ذلك الفلاح في الدنيا والآخرة.