توصلت كاتبة بريطانية إلى وثائق لم يكشف عنها من قبل بشأن العلاقة الوثيقة التي كانت تربط ملكة بريطانيا الشهيرة فيكتوريا ومعلمها الهندي المسلم، عبد الكريم. الوثائق هي مذكرات يومية جمعتها الكاتبة شاراباني باسو واعتمدت عليها كمراجع في تحديث طبعة جديدة من كتابها "فيكتوريا وعبد الكريم" ، وهو الكتاب الذي يعرض للعلاقة القوية التي كانت تربط الملكة الشهيرة مع مدرس هندي وسيم طويل القامة ومسلم. ومن شأن تلك المذكرات تعزيز التكهنات بأن علاقة الملكة فيكتوريا مع عبد الكريم كانت أقوى من علاقتها مع جون براون، وهو خادمها الاستكلندي الذي تحول إلى حبيب لها بعد وفاة زوجها الامير ألبرت في عام 1861. وتكشف المذكرات كيف أن الشاب عبد الكريم فكر في الاستقالة من وظيفته بعد وقت قصير من التحاقه بها، لأنه كان يعتقد أنها وظيفة دنيا، ولكن الملكة توسلت إليه كي يبقى قريبا منها. الصديق المقرب كان عبد الكريم شابا لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره عندما حط رحاله في بريطانيا قادما من ولاية أجرا بالهند. وكانت المهمة التي وفد من أجلها هي خدمة المائدة الملكية في حفل اليوبيل الذهبي للملكة فيكتوريا عام 1887. وقد جاء عبد الكريم إلى الحفل الملكي الباذخ باعتباره "هدية من الهند إلى الملكة ، وكان وصوله بعد أربع سنوات من وفاة حبيب الملكة جون براون. وفي غضون عام واحد، نجح الشاب المسلم في ترسيخ أقدامه كواحد من أهم المتنفذين في البلاط الفيكتوري ، وأصبح معلم الملكة ومستشارها لشؤون الهند. وكما كان جون براون ، أصبح عبد الكريم صاحب نفوذ واسع في حياة الملكة التي استخلصته وجعلته موضع ثقتها وكاتم أسرارها. وبعكس سلفه براون، نجح عبد الكريم في الخروج من دائرة الخدم إلى دائرة الحاشية المقربة من الملكة. وكشفت الكاتبة شاراباني باسو لبي بي سي أن الخطابات التي كتبتها الملكة لعبد الكريم خلال السنوات التي عاشها في بريطانيا وحتى وفاتها عام 1901 تؤكد عمق علاقتها مع عبد الكريم، حيث كانت تلك الخطابات تحمل توقيعات مثل "أمك المحبة" ، "أقرب صديقة لك". والمثير أن فيكتوريا كانت توقع بعض خطاباتها لعبد الكريم بقبلات متلاحقة على الورق.. وهو أمر لم يكن معتادا على الاطلاق في تلك الأيام. وتقول شاراباني إن من المؤكد أن تلك العلاقة كانت مشبوبة بالعاطفة، وأن تأثيرا امتد على مستويات عديدة تتجاوز علاقة الأمومة التي يمكن أن تنشأ بين شاب هندي وسيدة كانت تجاوزت الستين من عمرها في ذلك الوقت. العزاء الملكي ولكن شاراباني تقول أيضا إن من غير المرجح أن فيكتوريا وعبد الكريم كانا عاشقين بالمعنى الحرفي للكلمة، حتى وإن كانا أمضيا ليلة رومانسية دافئة وحدهما في الكوخ الريفي المنعزل الذي اعتادت الملكة أن تقضي فيه بعض الليالي مع جون براون. وتشرح شاراباني أنه عندما مات الأمير ألبرت، حزنت فيكتوريا عليه بشده وقالت إنه كان زوجها وصديقها المقرب وأباها وأمها، ولذلك فمن المرجح أن عبد الكريم كان يقوم بدور مماثل لتلك الأدوار كلها بالنسبة للملكة. وقد بلغ نفوذ عبد الكريم في حياة الملكة فيكتوريا حدا جعلها توصي بمنحه شرف المشاركة ضمن صفوف النبلاء وكبار رجال الدولة في مراسم دفنها في قلعة ونزور. وقد أمرت الملكة المسنة بذلك المرسوم رغم علمها أنه سيلقى معارضة قوية من داخل البيت الملكي نفسه. والواقع أن إذا كان أفراد العائلة الملكة البريطانية كانوا يكرهون جون براون فإنهم تمنوا أن تنشق الارض وتبتلع عبد الكريم. وخلال فترة خدمة عبد الكريم منحته الملكة فيكتوريا عديدا من الأوسمة والنياشين وخاصة لخدماته أثناء زيارات جلالتها لعواصم أوروبا ولقاءاتها مع الملوك ورؤساء الحكومات. وقد علم عبد الكريم الملكة كيف تكتب باللغتين الهندية والأردية ، وكيف تأكل الكاري الهندي الذي أصبح فيما بعد طبقا رئيسا على المائدة الملكية. وفي نهاية المطاف أصبح عبد الكريم هو السكرتير الفعلي للملكة فيكتوريا رغم أن البروتوكلات الملكية تضم منصبا رسميا لسكرتارية الملكة. وحصل عبد الكريم وزوجته على امتياز حق الإقامة الحرة في كافة الأراضي والإقطاعيات والقصور المسجلة باسم الملكة في بريطانيا والهند. كما سمح له بأن يتقلد سيفا وأن يحمل أوسمته ونياشينه أثناء وجوده في البلاط ، وسمح له كذلك باستقدام كل أفراد عائلته من الهند إلى بريطانيا. والطريف أن والد عبد الكريم حصل على استثناء ملكي خاص أصبح بموجبه أول شخص يسمح له بتدخين النارجيلة داخل قلعة ونزور بالرغم من أن الملكة فيكتوريا كانت من ألد أعداء التدخين. وأصبح عبد الكريم يحظى بأفضل الاماكن بين صفوف النبلاء والأمراء في الموائد الملكية وحفلات الأوبرا التي تحضرها الملكة ، ويتمتع بامتياز لعب البوكر والسنوكر "البلياردو وخصصت له عربة بجياد وخادم خاص. طرد بلا رحمة وامتد نفوذ عبد الكريم ليشمل إدارة الملكة للشؤون السياسية في الإمبراطورية البريطانية المترامية الأطراف، وقد لعب دورا هاما من خلف الستار في تعيين أو إقالة نواب الملكة في الهند، أو اقتراح بعض التدابير لاحتواء أزمات وثورات داخلية هناك. وتقول الكاتبة شراباني باسو إنه في الوقت الذي بلغت فيه الامبراطورية البريطانية أوج مجدها، كان شاب مسلم يجلس في مركز دائرة النفوذ والتحكم في رأس تلك الامبراطورية. وكانت تلك العلاقة بين فيكتوريا وعبد الكريم بمثابة صدمة قاسية لأفراد الأسرة المالكة والبلاط في لندن، ومما زاد من شعورهم بالمرارة أنهم يعرفون أنها علاقة أعمق، وأكثر حميمية وسرية من العلاقة الواضحة بين الملكة والشاب البريطاني جون براون. ولم يكن أدل على كراهية دوائر الحكم لعبد الكريم من أنه بعد ما لا يزيد عن بضع ساعات من جنازة الملكة فيكتوريا، كان من أوائل القرارات التي اتخدها ابنها إدوارد طرد عبد الكريم وإنهاء خدماته بصورة مهينة. وتطلب الأمر عملا مباحثيا شاقا من شراباني باسو في الهند وباكستان للتوصل إلى المذكرات التي كتبها عبد الكريم بخط يده ، وقد احتفظ بها بعض أفراد أسرته بعد وفاته عام 1909. فقد هربت تلك المذكرات أولا إلى الهند بمعرفة إبن أخت عبد الكريم عند طرد الأسرة بكاملها من بريطانيا، وقبعت المذكرات في الهند مدة أربعين سنة هربت بعدها مرة ثانية إلى باكستان التي كانت وقتها دولة وليدة نزح إليها مسلمو الهند مع قرار تقسيم شبه القارة الهندية. وعلم واحد من أفراد أسرة عبد الكريم الذين بقوا في الهند بالكتاب الذي أصدرته شاراباني باسو عن السنوات العشر التي أمضاها عبد الكريم في خدمة الملكة فيكتوريا، فاتصل بها وأبلغها أن المذكرات في حوزة أحد المعمرين من فرع الأسرة في كراتشي في باكستان. وبالفعل سافرت شاراباني إلى كراتشي وخاضت رحلة بحث شاقة حتى توصلت إلى النص الاصلي للمذكرات. وتنهي شاراباني باسو تصريحاتها لبي لبي سي بالقول إنها كانت محظوظة لأنها نجحت في الكشف عن قصة الحب الغامضة والمفعمة بالعواطف الجياشة بين الملكة فيكتوريا ومعلمها عبد الكريم بعد أكثر من قرن من الزمان.