برنامج البحث على مدى سنتين المعروف باسم «لجنة الأبحاث الهندية – الخليجية» الذي أطلقه مركز الخليج للأبحاث في دبي، يبيّن الاهتمام المتزايد الذي توليه الهند ودول الخليج بتوسيع نطاق العلاقات في ما بينها. أطلق المشروع في ندوة عُقدت في 16 حزيران (يونيو) في مركز الخليج للأبحاث وهو مركز أبحاث مستقل، ويعتبر المشروع مبادرةً مشتركةً بين رجل الأعمال السعودي عبدالعزيز صقر، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مركز الخليج للأبحاث، والسفير الهندي في الإمارات العربية المتحدة تلميذ أحمد. ومن المتوقّع عقد ورشة عمل حول هذا المشروع في الهند في نهاية هذا العام. وقال مدير الدراسات الدولية في مركز الخليج للأبحاث كريستيان كوش ل «الحياة» أن المركز يتطلع من خلال هذا البحث إلى أن يكون «عملياً جداً» وأن هذا البحث حول منطقة الخليج والهند غير مصمم ليكون أكاديمياً بحتاً بل يطرح توصيات سياسية محدّدة. ويعمل كوش حالياً على مسودة خطة عمل خاصة بالمشروع. وسيركز البحث على السياسة والأمن والاقتصاد والطاقة والنواحي الاجتماعية والثقافية. وكان زميل كوش في مركز الأبحاث رانجيت غوبتا عمل في هيئة الخارجية الهندية لمدة 36 سنة، وهو السفير السابق للهند في اليمن وسلطنة عمان وبلدان أخرى. وتعتبر «لجنة الأبحاث الهندية – الخليجية» دليل رغبة في بناء العلاقة على أسس تنظيمية وإنتاجية تساهم في إفادة الطرفين، ففي عالم غير مستقر، حيث لم يعد مفهوم القوة العظمى الذي ساد في الماضي موجوداً، يبرز فاعلون جدد أقوياء على الساحة السياسية الدولية، من بينهم الهند التي جزءاً من مجموعة البلدان الأربعة التي تشهد نمواً سريعاً لاقتصادها، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين. للهند والدول العربية مصالح مشتركة متنامية، وبحسب اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندي، بلغ إجمالي الاستيراد والتصدير بين الدول العربية والهند 102 بليون دولار في عامي 2007 و2008. وتضم الهند ثاني أكبر عدد من المسلمين بعد أندونيسيا أي 150 مليون نسمة. ويشكل توظيف الهنود بنداً مهماً في العلاقة الهندية - الخليجية. ويُقال أن ثمة 4 مليون هندي على الأقل في دول مجلس التعاون على رغم أن عدداً كبيراً منهم بدأ يرحل جرّاء الأزمة الاقتصادية. وبعيداً من الأزمة، تبرز اعتبارات سياسية واستراتيجية حيوية في العلاقة بين دول الخليج والهند. فمنذ انتهاء الحرب الباردة، تغيّرت الخريطة السياسية والأمنية الدولية، وانتقل النفوذ إلى آسيا. ويقع كل من الهند ودول الخليج في منطقة تشهد عدم استقرار وتشمل الأزمات في باكستان وأفغانستان وإيران والشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، تحتوي المنطقة على معظم موارد النفط والغاز الحيوية الموجودة في العالم. ونشطت خلال هذا العقد حركة الاتصالات بين دول الخليج العربية والهند، فقد زار الملك عبدالله بن عبدالعزيز الهند في كانون الثاني (يناير) 2006 وهي أول زيارة يقوم بها ملك سعودي منذ 51 سنة. كما يعمل حوالى 1.7 مليون هندي في المملكة العربية السعودية ويزور أكثر من 100 ألف هندي هذا البلد سنوياً لتأدية مناسك الحج. وسمح «إعلان دلهي» الذي وُقّع خلال زيارة الملك عبد الله ب «رفع حجم الإمدادات بالنفط الخام إلى الهند بفضل عقود طويلة الأجل». واتفق الطرفان على إقامة مشاريع مشتركة وعلى تطوير النفط والغاز الطبيعي. وقد تمّ إرساء مجلس أعمال مشترك بين البلدين. ولا تزال الاتصالات مستمرة بين مجلس التعاون الخليجي والهند. ففي الأسبوع الثاني من حزيران (يونيو)، أصبح وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله بين زايد آل نهيان في إطار جولته على سبعة بلدان آسيوية، أول وزير خارجية يزور نيودلهي منذ تشكيل الحكومة الهندية الجديدة بعد الانتخابات. وتبحث أبو ظبي عن دعم الهند لإيجاد مقرّ لمكتب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي، وهي أول مدينة في العالم خالية من انبعاثات الكربون. وتتنافس ثلاثة بلدان أوروبية على استضافة هذه الوكالة وهي ألمانيا وإسبانيا وهولندا. وعلى المستوى العربي الأوسع، اتفقت جامعة الدول العربية والهند في كانون الأول (ديسمبر) على إرساء منتدى تعاون عربي - هندي. وقام كل من وزير الخارجية براناب موخرجي والأمين العام للجامعة عمرو موسى بالتوقيع على هذا الاتفاق في نيودلهي. وهو يهدف إلى تعزيز العلاقات في ميادين الثقافة والتجارة والطاقة والموارد البشرية. وكرّر موسى تنديد الجامعة العربية بالاعتداءات الإرهابية حصلت في مومباي في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، فيما عبّر موخرجي عن قلقه الكبير حيال الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، ولفت موخرجي إلى أن الهند لطالما دعمت القضية الفلسطينية وأن الشعب الهندي يدعم بشكل كبير الشعب الفلسطيني. ولا تأمل البلدان العربية في الخليج وحدها في الإفادة من تحسن العلاقة مع الهند. ففي السنة الماضية، زار الرئيس السوري بشار الأسد الهند. وفي مقابلة مع صحيفة «هندو»، دعا الأسد الهند إلى تأدية دور أكبر في عملية السلام في الشرق الأوسط وعبّر عن اهتمامه بالتطوّرات الكبيرة التي حققتها في تكنولوجيا المعلومات، وأمل في أن تصبح الهند قادرةً على مساعدة سورية في هذا الميدان وأمل في أن تقوم الهند بمزيد من الاستثمارات في سورية، حيث تعمل شركة «أو في أل» الهندية التابعة للقطاع العام في التنقيب عن النفط. وعلى رغم أن الدول العربية قد أملت في أن تبذل الهند المزيد من الجهود في عملية السلام في الشرق الأوسط، ثمة عدم ارتياح إزاء علاقتها مع إسرائيل، هذا البلد الذي بات في هذه السنة أكبر مزوّد أسلحة للهند. وفي عام 1992، أقامت الهند علاقات ديبلوماسية كاملة مع إسرائيل وذلك بعد مؤتمر السلام الذي عُقد في مدريد في تشرين الأول (أكتوبر) 1991. العلاقات الثقافية وفي ما خصّ العلاقات الثقافية كان المركز الثقافي العربي - الهندي في الجامعة الإسلامية في نيودلهي يؤدي دوراً خاصاً. وكان السفير السعودي في الهند حينها صالح محمد الغامدي وضع في شهر شباط (فبراير) 2007 حجر أساس المركز الذي يديره زيكرور رحمن وهو ديبلوماسي سابق لمدة 35 سنة في عدد من البلدان العربية، ومنها فلسطين (رام الله). وهو يتقن اللغة العربية ويروّج للثقافة العربية في الهند. يؤدي المركز دوراً فاعلاً بالتعاون مع مشروع «كلمة» للترجمة والنشر في أبو ظبي، في ترجمة مؤلفات هندية إلى اللغة العربية، وأصدر المركز الى الآن تسعة كتب نشرتها «كلمة»، ومن بينها «الجدل الهندي» من تأليف عالم الاقتصاد الهندي أمارتيا سن الذي حاز جائزة نوبل، و «ظل السيوف: الجهاد والنزاع بين الإسلام والمسيحية» من تأليف م ج أكبر، و«الاعتدال أو المقاتل: صورة المسلمين في الهند» من تأليف موشيرول حسن، و«معنى أن تكون هندياً» من تأليف بارفان ك فارما، و«نهرو: اختراع الهند» من تأليف شاشي تارور. وفي الوقت نفسه، تساعد هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث على ترجمة عدد من الأعمال العربية إلى اللغة الهندية والأوردية، ومنها ستة مؤلفات لكاتبات عربيات. وأشار زيكرور رحمن إلى «الحياة» أن المركز يخطط لتنظيم مهرجان الفيلم العربي على مدى أربعة أيام في آب (أغسطس). ويشدد رحمن على ضرورة الاهتمام بثلاثة ملايين مخطوطة عربية موجودة في المكتبات الهندية، لم يتم مراجعة معظمها ولا نشره. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام، يعقد مؤتمر حول وثائق متعلقة بشبه الجزيرة العربية موجودة في الأرشيف الهندي بالتعاون مع مكتبة الملك عبد العزيز في الرياض. وعرض أول فيلم بوليودي تدور أحداثه في الكويت في شهر حزيران (يونيو) الجاري بعنوان «سنلتقي في مكان ما». وتدور قصة الفيلم (باللغة الهندية ومترجم إلى العربية) حول عائلة هندية عاشت في الكويت على مدى خمسة عشر عاماً. ولم ترغب جوي الفتاة الوحيدة في العائلة في أن تعود إلى الهند مع أهلها. وتقول الممثلة مانيساه كلكار التي لعبت دور جوي أن الفتاة «تحب مكان ولادتها الكويت كما يحب والدها مسقط رأسه الهند». وعبّر سفير الهند في الكويت اجا ملهوترا عن أمله في أن يتم عرض المزيد من الأفلام الهندية في الكويت، علماً أن بعض الرقصات من تأدية كويتيين. * صحافية بريطانية.