في أثراء جديد لساحة توثيق الأحداث التي سادت المملكة العربية السعودية قدم المؤرخ والمؤلف الأستاذ أحمد محمد محمود كتابه الجديد رحالة في ديوان الملك عبد العزيز آل سعود "رحمه الله" حيث يكمل المؤلف الجديد الجزء الرابع ضمن سلسلة المؤلفات الثلاث التي اطلقها الكاتب مؤخراً باسم جمهرة الرحلات والتي وصفت رحلات الحج أبان العصور القديمة ومشاهدات كتاب الغرب ومؤلفيها وكتاباتهم المتعلقة بالأحداث التي عاصروها أبان تلك الرحلات. والمؤلف الرابع والجديد يصف كتابات الرحّالة إلى المملكة ولقاءاتهم بجلالة المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ويأتي الكتاب في540 صفحة من القطع المتوسط، شلمت كتابات نحو ستين مؤرخاً من دول المشرق والمغرب والتي تصف لقاءهم بمؤسس المملكة ابن سعود "طيب الله ثراه" ويقول الكاتب الاستاذ محمد أحمد محمود في افتتاحية الكتاب.. شغل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ، الكتّاب والمؤرخين والرحّالة في حياته، لضخامة التأثير الذي كان هو محوره في أوائل القرن العشرين ، عندما حقق واحداً من أهم المنجزات في التاريخ العربي والإسلامي الحديث ، بتوحديه دويلات الجزيرة العربية، في كيان واحد، يحمل اليوم اسم " المملكة العربية السعودية" واشترك في هذا الانشغال ، والاهتمام قديما وحديثا، حكام، وكتاب ، ومفكرون ، ودبلوماسيون، ورحالة من عرب ومسلمين وأجانب، وكلهم مجمعون على عبقرية الملك عبد العزيز ، وضخامة الإنجاز الذي حققه، وسط الصعوبات التي أحاطت بجهوده ، محلياً وإقليمياً ودولياً. على أننا نرى أن الاهتمام بما حققه الملك عبد العزيز ، مرتبط بمسرح نشاطه السياسي والحربي، حيث المكانة التي تحتلها الجزيرة العربية في العالم، وكونها تضم أقدس بقاع المسلمين، حيث قبلتهم التي يتوجهون إليها خمس مرات في اليوم ، وحيث بيت الله ومشاعر الحج التي يتوجه إليها القادرون من مئات الملايين من المسلمين في العالم، وهو اهتمام مبكر بين العرب والمسلمين، ويضرب الى قرون سحيقة في التاريخ ، منذ عرف الإنسان التدوين، للموقع الإستراتيجي الذي تحتله الجزيرة العربية ، على خريطة العالم منذ فجر التاريخ. ومنذ بدايات تكوين الدولة السعودية في القرن الثاني عشر الهجري، وذلك امتداداً لتكوين الإمارة السعودية في الدرعية في القرن التاسع عشر الهجري وتزامناً مع بسط السلطان العثماني لسلطته على الجزيرة العربية بشكل مباشرة أو غير مباشر، اعترفت الدولة العثمانية بمكانة الإمارة السعودية في ذلك القرن، والتي كانت قائمة في الدرعية، بحسب مانصت عليه الوثيقة العثمانية التي دار حولها كتاب - قوافل الحج المارة بالعارض، لمؤلفه الباحث راشد بن محمد بن عساكر - ط أولى عام 1426هجرية - الناشر : دار درة التاج للنشر والتوزيع بالرياض " وقد نصت تلك الوثيقة على استمالة أمير الدرعية - وهو جد الأسرة السعودية - حتى يقوم بدوره في مرافقة وحماية قوافل الحج المارة في اراضي إمارة الدرعية، حتى وصولهم سالمين الى الاراضي المقدسة". وامتداداً لهذا الاهتمام المبكر - مع بواكير نشأة الدولة السعودية - يمكن ان نرصد اطلائع اهتمام الاوروبيين بالدولة السعودية منذ بدأت الدولة السعودية الأولى، بالتحالف بين محمد ابن سعود ومحمد بن عبد الوهاب،، للعودة بالمسلمين الى الاسلام الصافي من منبعه الاصلي: القرآن الكريم والسنة المطهرة ، حيث نرى عدداً من الرسل الاوروبيين ، اقاموا جسور اتصال مع ائمة وامراء الدولة السعودية في مختلف اطوارها ، في الدرعية والرياض ، ولم يخف هؤلاء الاوروبيون في بواكير اتصالاتهم اعجابهم الشديد بمن التقوا بهم من ائمة وامراء الدولة السعودية، فهذا المستشرق الانجليزي دافيد جورج هوجارث، في كتابه : التغلغل داخل الجزيرة العربية ، يصف محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الاولى بأنه ذو مواهب متعددة ، وطاقة كبيرة، وجذور في الاصالة الاجتماعية عريق ، قام على تطبيق شرع الله لا تغريه عن الحيدة عنه مغريات المادة أو الجاه". وهذا -رينو- مبعوث المقيم البريطاني بالبصرة، إلى الامام عبد العزيز بن محمد بن سعود عام 1799م يصفه " بأنه صقر جموح، دانت له الجزيرة العربية كلها عام 1804م" وقد انزعجت اوروبا المسيحية ، من هذا النجاح السعودي الذي سيؤثر عليها حتماً - كما يقول " هوجارث" فبدأت تجمع المعلومات عن هذه القوة المتنامية، من خلال جواسيس انتحلوا الاسلام ، ودخلوا الى ميدان السيادة السعودية، وكما نقلوا من ايجابيات هذه الدولة الفتية، نقل آخرون تهم خصومها لها. وهذا هو المؤرخ المصري المعروف - عبد الرحم الجبرتي ، فيما نقل عنه صاحب رحلة - مرآت الحرمين : اللواء إبراهيم رفعت بباشا، يُفنّد التهم التي نسبت للسعوديين عندما دخلوا المدينة المنورة، وأنهم أخذوا مافي الحجرة النبوية الشريفة من كنوز، فيعدّد منجزاتهم لما ضموا الحجاز إلى نفوذهم "بإبطال المنكرات والبدع التي لا أصل لها في الدين، وإبطال المكوس ومصادرات أموال الناس، حيث كان الشخص يفاجأ بأحد أعوان شريف مكة يطلب منه أخلاء داره لحاجة الشريف اليها، فما يجد حيلة إلا الطاعة، وكان من ترتيبات السعوديين - في الدولة الأولى، أنُ أمّنت الطرق بين مكةوالمدينة والطائف ورخصت الاسعار". ومما يلفت النظر : هذا القاسم المشترك في نظرة هؤلاء الرحالة لقادة الدولة السعودية في مختلف اطوارها وقد اخترنا عدداً من الكتاب والرحالة واقوال عدد من المشاهير الغربيين خاصة ، فنراهم اجمعوا - وبنفس التقدير الذي حظي به أسلافه - اجمعوا على مكانة الملك عبد العزيز في التاريخ ، واعلوا من عبقريته وحنكته ومكانته كرجل دولة، يحقق ما يريد بالأساليب الدبلوماسية حينا، وبالقوة حينا، وبالمساومات حيناً آخر". وما أقدمه الان ليس من تأليفي، بل من تأليف جميع هؤلاء الكتّاب والدبلوماسيين والرحالة، ومن جهد عشرات المترجمين لكتب هؤلاء الرحالة، وناشري كتبهم. وإن كان من الصعب استقصاء جميع الرحالة ممن لقوا الإمام عبد الرحمن والد الملك عبد العزيز ، وشقيقته - نوره - ثم التقوا الملك عبد العزيز، وسجلوا انطباعاتهم عن مكانته وشخصيته ومنجزاته، إلا إجماعهم على أن يضعوه بين عظماء العالم كان الصفة الغالبة على نظرتهم إليه ، وتقويمهم لمكانته ، وأن ينسحب هذا الانطباع كذلك على والده وشقيقته ، وكأنهم يقولون بلسان واحد كما قال الكابتن الانجليزي - أر.تي هاملتون المقيم السياسي في الكويت بعد ان لقى في الرياض عام 1917م الإمام عبد الرحمن والد الملك عبد العزيز " كان رجلا دمثا وساحراً الى ابعد حد بالنسبة لي ، وإلى مرافقي الذين كانوا يقولون : أي عجوز رائع هذا الإمام " وهذا هو القنصل الأمريكي بجدة وليام إيدي ينقل عنه المؤرخ الامريكي قوله عام 1945م :" كان عبد العزيز بن سعود - ملك العربية السعودية - والذي عرف بابن سعود : من أعظم الرجال في القرن العشرين، فقد جمع مملكته ، ووحد شعبه بقيادته الخاصة، واكتسب قدرات قيادية ملحمية كتلك التي اكتشفها - صامويل - في شاول ، إضافة لتفوقه في المهام العامة التي يتعين على الجميع إنجازها.... كان لا يزال المحارب القوي، الراعي لشعبه ، يخشاه أعداؤه ويحبه بنو جلدته واصدقاؤه". ليس لي في هذا الكتاب من دور سوى - قراءة هذه الرحلات - وتقديمها بأقصى ما استطيع من أمانة، وقد حرصت على أن أنقل حرفياً من أقوال هؤلاء الرحالة ، ممن التقوا بأسلاف الملك عبد العزيز، والتقوا به على مدى سنوات حكمه ، وتحادثوا وتحاوروا ، واستمعوا ونقولوا مشاهداتهم.أحمد محمد محمود ** رحلة الكابتن وليام شكسبير إلى - ابن سعود ولد وليام هنري شكسبير في البنجاب بالهند عام 1878م، حيث كان والده موظفاً في مصلحة الغابات ، وبعد دراسته الأولية ، التحق بلكية - ساندهرست - العسكرية الشهيرة في بريطانيا ، وبعد تخرجه عام 1898م رجع للهند ضابطاً في وحدة البنغال، أروع وحدة في الجيش الهندي البريطاني، وبعد انتشار الوباء الاسود - الطاعون - في منتصف القرن 19م ، اختير عام 1901م مساعداً إدارياً في بومباي ، ولكن ضحايا الوباء والذي بلغ في أوجه نصف مليون قتيل في السنة دفعه لإنهاء عمله في الجيش ، وقد اعجب بعمله نائب ملك بريطانيا - الحاكم في الهند ، فحوله من الخدمة العسكرية الى العمل الساسي عام 1904م، فعمل وهو في 25 من عمره قنصلاً في بندر عباس وكان أصغر قنصل عمراً تعينه دلهي في تلك الفترة . ومنها ألى مسقط ، قبل أن يعود للعمل في حيدر آباد، وهنا تمكن من شراء سيارة وأخذ إجازة طويلة من عمله، وشحن سيارته الى - بوشهر - في إيران ، ومنها قادها عبر آسيا وأوروبا إلى الجانب الفرنسي من القنال الانجليزي، مدللا على قدرة فائقة على التحمل. وعام 1908م عين في وظيفة : الوكيل السياسي البريطاني المقيم في الكويت، وشغل المنصب لست سنوات ، ومن هنا بدأت رحلاته في صحراء الجزيرة العربية وتعود على طبيعة الحياة البدوية القاسية، وتعرف لأول مرة على - عبد العزيز آل سعود - وهو في الواحد والثلاثين من عمره - في زيارته للكويت، عام 1911م ، ووصفه يومها بأنه " صريح ، ومتفتح، وبعد شيء من التحفظ ، وجده صادقاً ومجاملاً" وكانت فرصة اثناء حفل الشيخ مبارك آل الصباح شيخ الكويت والذي حضره - ابن سعود - أن يرد بإقامة حفل دعا له - ابن سعود - وكانت الوليمة مكونة من عشاء انجليزي : لحم ضأن مشوي - مرقة النعناع - بطاطا مقلية ، وهنا قال له - ابن سعود : باعتبارك صديقاً للشيخ مبارك، فأنت صديقي" ثم سأل - شكسبير : إن كان بإمكانه السفر إلى الرياض ورحب - ابن سعود بزيارته. ** رحلة ج. ليتشمان إلى الرياض ولد جيرالد إيفلين ليتشمان - أو : لجمن - كما ينطق في العراق، في - بترسفيلد - إحدى قرى الريف الانجليزي عام 1880م، وفي السابعة من عمره اظهر ميلا وحبا للموسيقى ، وميلا الى الجندية ، وبعد دراسته الأولية في مدرسة خاصة، تحول عام 1893م الى مدرسة - جارتر هاوس - وبعدها دخل لدراسة الجندية في كلية - ساند هرست- وأظهر فيها تفوقاً ، وغادرها ليلتحق بفوج - سكس - الملكي ، وتنقل في عمله بين جنوب أفريقيا عام 1900م مشاركا في حرب البوير بجنوب أفريقيا ، وقام باستكشافات في "التبت" ثم في الجزيرة العربية قام برحلات مع قبيلة "عنزة" عام 1909م. عاش ليتشمان فترة عمله في العراق كما اورد ذلك الرحالة " أمين الريحاني في كتابه تاريخ نجد الحديث" مع بدو العراق في منطقة السواد، وأتقن لغتهم، ولبس لبسهم وركب مركبهم ، وجلس مجالسهم ، وفتح مضافات مثلهم، يعالج شؤونهم كواحد منهم ، ويقضي ويفصل بتقاليدهم وشرعهم وقد صوف " الرياض : وضواحيها وبساتين نخيلها ، وأنها تمتد ميلين شمالاً وجنوباً على حافة وادي حنيفة وقد احاطت بساتين النخيل الكثيفة بمبانيها ، كما بني حولها سور منيع ، في نواحيه بوابات وشمال غربيها الطريق الرئيسي المؤدي الى مكة، والحسا" وشققنا طريقنا أنا ورفيقي - صالح - من بوابة العاصمة ، حتى وصلنا لساحة فسيحة فيها سوق العاصمة، ونشاطه في ذروته قت الظهيرة وواصلنا سيرنا بين فضول المارة الى قصر "عبد العزيزآل سعود : أمير نجد " وأناخ جماله في ظل جدار القصر ، فيما حشود من الناس متجمعه في انتظار وصول قافلة الحج من مكة وظنت الحشود أننا مقدمة الواصلين من الحج". وجاءنا أحد رجال القصر وفرق الجموع من حولنا، وقادنا إلى نزلنا في القصر، وسأل بأدب جم عن أحوالنا ورحلتنا ، وبعد أن أديرت القهوة مراراً قادنا أحد رجال الحاشية الى قاعة تطل على السوق ، حيث استقبلنا " عبد العزيز آل سعود أمير نجد". ووصف " عبد العزيز، بأنه فارع الطول ، في الأربيعينات من عمره، ووجه يتسم بالعطف ومظاهر القوة، محافظ على أداء الصلوات جماعة في المسجد، وتعامله في غاية البساطة ، وصافحني متبسطاً ، ومشيعا حولي جوا من الود، ودار الحديث حول شؤون العالم وخاصة" حرب تركيا والبلقان، واستمع الرحالة منه الى طريقة استعادته ملك آبائه، وإلى حروبه في الجزيرة العربية لتوحيد قبائلها تحت سلطة واحدة " مما شغله عن توفير أسباب الرفاهية له ولضيوفه في العاصمة، بسبب كثرة حروبه" وخلال إقامة الرحالة في الرياض كان في ضيافة " عبد العزيز ، وكانت جموع من الناس تزوره في غرفته، مظهرة الكثيرة من المجاملة له ، وكان يتجول في الرياض في معية " عبد العزيز، أو مع مرافق كلفه بذلك ، وأشاد بالتصرف الحضاري لسكان العاصمة تجاهه ، وكأنه يقلل من التضخيم الخارجي لما عليه سكان نجد من تعصب ضد الأجانب ، ومن هذا التضخيم القول بمنعهم أكل الارز لأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم " وإن كان بعض من كبار السن يسألون عبد العزيز لماذا يسمح ويستضيف " مسيحياً " في العاصمة ، وكان عبد العزيز يجيبهم بأن الإنجليز أصدقاءه ولاحظ الرحالة أن سكان الرياض يعتبرون عبد العزيز هو "الإمام" بينما يعتبر "عبد العزيز" أن والده " عبد الرحمن" هو الإمام. ** رحلات أمين الريحاني في جزيرة العرب أمين بن فارس بن أنطون بن يوسف بن عبد الأحد البجاني - نسبة إلى قرية - بجه - في - جبيل بلبنان ، واشتهر "بأمين الريحاني، ولد في - الفريكه من قرى لبنان - عام 1293هجرية - 1876م، وتلقى تعليمه الأولى في بلاده ، قبل أن يهاجر إلى أمريكا وهو في الحادية عشرة في عمره ، اشتغل مع والده الذي لحق به في التجارة بمدينة - نيويورك - وأشبع هوايته في التمثيل ، وبعد عشر سنوات من هجرته لأمريكا تملكه " إعجاب بالشعب الأمريكي ونشاطه وحريته في الفكر والقول والعمل " وعاد عام 1998م إلى لبنان تاركا نيويورك ووراء ظهره " وماذا فيها غير الضوضاء والعناء والبلاء " فدرس العربية وحفظ كثيراً من أشعار المعري" قرأت اللزوميات معبجا بها، ثم قرأته مترنحا، ورحت أفاخر بأني من الامة التي نبغ فيها هذا الشاعر الحر، الجسور ، الحكيم " وتردد بين بلاد الشام وأمريكا كثيراً مابين -1888 - 1938م، ثم وعلى خطا الرحالة من قبله" بلجريف ، بركهارت ، بيرتن ، دوتي" قام برحلات عربية عديدة، وعندما زار الأندلس ووقف في قصر الحمراء" سمعت اصواتاً تناديني باسم القومية، ومن أجل الوطن، وتدعوني إلى مهبط الوحي والنبوة" فرحل إلى كل من : نجد ، والحجاز، اليمن، العراق ، مصر، فلسطين، المغررب، الأندلس، لندن، باريس. ومن أشهر كتب رحلاته " ملوك العرب: الذي دون فيه رحلاته الى الجزيرة العربية، ولقاءاته مع ملوكها وامرائها، بادئها بالحجاز. حيث قال في الملك عبد العزيز : مهما قيل في -ابن سعود، فهو رجل قبل كل شيء، رجل كبير القلب والنفس والوجدان، عربي تجسمت فيه فضائل العرب إلى حد يندر في غير الملوك الذين زينت آثارهم شعرنا وتاريخنا، وتجسمت فيه كذلك ما لا يحاول أن يخفيه: رجل صافي الذهن والوجدان ، خلو من الإدعاء والصلف، خلو من التظاهر الكاذب" ويستطرد الرحالة الديماني فيقول : " العدل اساس الملك : رفع فيه من شأن اهتمام السلطان عبد العزيز بالعدل" وقد شاهدت من مظهريه في بلاد نجد ما لم أشاهده في البلاد العربية كلها، بل ما وجدت خارج نجد بلاداً تتمثل فيها هذه الحكمة - العدل أساس الملك - ذاك التمثيل الصحيح الشامل، ذاك التمثيل المعجب المخيف معا، عدل ابن سعود كلمة تسمعها في البحر، وفي البر، وفي طريقك الى نجد قبل ان تصل إليها، كلمة يرددها الركبان في كل مكان يحكمه سلطان نجد، من الأحساء الى تهامة ، ومن الربع الخالي الى الجوف ". " حكم - ابن سعود - لا يعرف في سبيل العدل كبيراً أو غنياً، كل الأعمال الأثيمة عنده سواء، وكل الرؤوس سواء عند السياف". "إذا كان العدل اساس الملك، فالأمن أول مظهر من مظاهر العدل، وفي نجد اليوم من الأمن ما لا تجده في بلادنا، أو في اي بلاد متمدنة ، ولقد استمرت رحلتي النجدية خمسة شهور ، قطعت أثناءها الدهناء مرتين ، جنوبا في طريقي من الحسا الى الرياض، وشمالاً في طريقي من القصيم الى الكويت، وكانت حقائبي وفيها مالي مكسرة الاقفال ، مفتوحة ، وهي مع الحملة بعيدة عني النهار كله ، وفي خدمتي أناس من البدو، لم أفقد شيئاً من حوائجي ولا ورقة ومن أوراقي.. كيف تمكن - ابن سعود- من إقامة مثل هذا الأمن وتوطيده في بلاده؟ بأمرين: أولهما الشرع، وثانيهما تنفيذ الأحكام الشرعية تنفيذاً لا يعرف التردد ولا التمييز ولا الرأفة. سافر الرحالة لزيارة الرياض، وشاهد السلطان عبد العزيز، وأسلوب حكمه ، تعامله " يوم وصلت الرياض هالني عندما انخنا امر اولئك العربان من بدو وحضر وأخوان، رأيتهم جالسيت خارج القصر، وداخله في الاروقة على مجالس الطين ، ينتظرون مائدة عبد العزيز". "لقد شاهدت معرض العطاء في الرياض، بل كنت اشاهده كل يوم مدة إقامتي هناك، وأعجب جداً لكرم - ابن سعود - بل لإيمانه وثقته بالله ، مصدر الخير غير المتناهي وولي النعم التي لا تزول، وإلا كيف يؤمل بدوام حال تمكنه من العطاء في بلاد لا ثروة لها دائمة وثابتة؟". "ابن سعود في حلمه مثل كرمه، جاءه ذات يوم شيخ قبيلة حاربه سنين ثم دانت له ، فاقام شيخها اياماً في الرياض، وقال للسلطان عند الوداع: قالوا إنك سحّار ياعبد العزيز، صدقوا والله، فقد سحرتني ، وإن أخبار حلمه لأدعي للدهشة من أخبار كرمه". ** بول هاريسون في "نبراسكا" في الولايات المتحدة، ولد "بول هاريسون" كان والده مارفن هاريسون من رواد بلدة - سكربنز - وقد تلقى الوالد تعليمه في مدرسة شيكاغو للعلوم الدينية ، فكان طموحه أن ينتهج ابنه - طريق التبشير بالمسيحية - ولم يخيب الابن تطلعات والده، فقد كان "بول" أكثر من أخوانه في توجهه الديني ، وكان مصدر غبطة لوالده ، فالتحق في الحادية عشررة من عمره في أعمال الكنسية ، مع دراسته في مدرسة قريته ، التي انتقل منها ألى اكاديمية - فرانكلين - وفيها اشترك في جمعية للتبشير، وواصل دراسته في كلية " دوان" في " كريت بمقاطعة نبراسكا" وفي عام 1902م قرر "بول" الانخراط في " النشاط التبشيري" واتجه لدراسة الطب في كلية لنكولن، ثم تم اختياره للدراسات العليا في " جون هوبكنز" حيث حصل فيها على وظيفة في معامل الكلية، وكانت " كلية جون هوبكنز" مجالاً لأبحاث العلوم والطب والاكتشاف. ويصف هاريسون رحلته ال الرياض ولقاءه بالملك عبد العزيز فيقول: وصلت القافلة الى الرياض - وكان أول نشاط له هو لقاء "لقاء ابن سعود" الذي رحب به قائلاً " طالما أنت هنا فإن منزلي هو منزلك، طلبت حضورك ليس لأجلي أو لأجل عائلتي، بل لحاجة الناس إليك، لن يزعجك أحد، أنا أعلم أنك مسيحي: ولكن الناس الأشراف تحترم بعضها رغم اختلاف المذاهب". ورغم ان التدخين كان يلاقي استنكار واستهجان سكان نجد عامة، إلا أن " ابن سعود" تقديراً لهذا الزائر سمح له بالتدخين، وقد عبر عن عدم رغبته في التدخين " لكن مساعده سيفرح بكرمك هذا" " عندما غادر - بول هارسون - قصر - ابن سعود- عرف بأنه تشّرف لمقابلة رجل عظيم متواضع ، وأن هذا الرجل هو الذي وحد الجزيرة العربية واعادها الى وضعها ايام الرسول - صلى الله عليه وسلم ". شهد - بول _ مراراً مجالس - ابن سعود - وسجل بعض احاديثه مع المواطنين ، وبعد 20 يوماً نفدت الادوية، مما يعني قرب رحيله وعودته إلى البحرين. انتهت الحرب العالمية الاولى في نوفمبر 1918م ، وبعد شهرر انتشر وباء الانفلونزا في الجزيرة العربية "فأرسل - ابن سعود - في طلب - بول هاريسون - الذي جاء إلى الرياض على عجل، وقام مباشرا بعلاج أولئك الذين وجد أملاً في علاجهم " وعاد إلى البحرين عبر الهفوف". **هارولد ديكسون عاش الرحالة والضابط والدبلوماسي " هارولد ديكسون" سنوات طويلة في الجزيرة العربية، مركزه في آخر سنوات عمله : مقيماً سياسياً في الكويت، ومكنته ولادته في بيروت عام 1881م ، وخؤولته " من الرضاع" من عشيرة السبعة من عنزة، وتمكنه من العربية ولهجات البادية: من التنقل بحرية والتعامل بسلاسة، والنقاش باستفاضة مع سكان الجزيرة العربية، سواء في مهامه التي يكلف بها من حكومته البريطانية او اثناء تجواله في اوقات اجازاته وراحته.. وقد وضع عددا من الكتب، ابرزها عن - الكويت في "مجلدين" حيث عاش هناك سنوات عديدة، كما وضع كتابا باسم " عرب الصحراء" خصصه للبحث في سكان الجزيرة العربية، راصداً قيم البادية وأخلاقها وتراثها ومعاشها وتضاريسها ونباتاتها وحيواناتها البرية وطيورها، وعادات اهلها، وعلى عادة العرب تكنى ديكسون "ابو سعود" وقال عنه ابنه " إني سميته سعوداً بناء على طلب الملك عبد العزيز، وتدعي زوجتي أيضا: أم سعود". وكان من الطبيعي أن يكون ل"ديكسون" بحكم عمله اتصالات بالمغفور له الملك عبد العزيز، وقد جاء في كتاب " عرب الصحراء" على مقتطفات من حياته، أظهر فيها إعجابه الكبير بموحد الجزيرة العربية، وحنكته السياسية، وصرامته في البت في الأمور : في ظروف كانت شديد التعقيد. ويروي - ديكسون- قصة مشابهة، لشاب من البادية أحب فتاة، وأثقل أهلها عليه المهر لما طلب يدها " 5 من النوق و500ريال مهراً" وحاول تقديم هدايا لوالدتها لاستمالتها لتخفيف ثقل المهر بلا فائدة، فقرر الشاب ان يشكو للملك عبد العزيز ما يعانيه ، ويطلب مساعدته في الزواج من محبوبته التي جعله حبها يشيخ قبل أوانه، ادرك - ابن سعود - موقف الشاب فمنحه ذلولا عمانية من أجود إبله مزودة بحلقة فضية في منخرها دلالة على اصالتها، ثم زوده بمائتي ريال، وعدة أثواب نسائية مزوقة وقال له : اذهب الآن يا بني وأحصل على فتاتك، وقل لأهلها إن الملك عبد العزيز نفسه يطلب منكم هذا المعروف، وقد أرسل لكم أحسن ما لديه ، وقد تحقق للشاب ما أراد..". ويأتي - ديكسون - على صورة أخرى من صور شهامة الملك عبد العزيز حتى على خصومه ، ففيما كانت أنباء انتصاره على زعيم احد المتمردين ضده تنتشر بين المنتصرين والمنهزمين " أرسل الملك عبد العزيز في طلب عائلة زعيم التمرد الفاشل، فقام برعاية هذه الاسرة والسهر على كل ما تحتاج إليه". زار الرحالة الرياض عام 1937م بالسيارة مع زوجته "فيوليت" ولما وصلها " كانت الاحوال الجوية ملائمة تماما، وجدنا أن الليالي شديدة البرودة في قلب نجد ، ومناظر الصحراء في الطريق كانت موحشة في معظمها ، وآثار الحياة الوحيدة التي صادفنا بعد " مركز جارية" كانت ستة غزلان وحبارة واحدة. "لقد قضينا اربعة ايام ممتعة في الرياض، ووضع لنا برنامج كامل من الاجتماعات والولائم والنزهات، بالإضافة إلى مشاهدتنا العرضة الكبرى بمناسبة انتهاء احد ابناء الملك الصغار من قراءة القرآن قراءة كاملة صحيحة". قابل الرحالة الملك عبد العزيز في مجلسه الذي حضره العديد من الشخصيات الحكومية بينهم ابن شقيقه : فيصل بن سعد ، وابناؤه الكبار محمد ومنصور ، وفي احدى الزوايا كان يجلس من اولاد الملك الصغار، طلال ومشعل ونواف ، وعند جلوسي الى جانب الملك : سألني عن صحتي وصحة زوجتي بطريقة الملك المهذبة المعتادة ، وتوجه إليّ بأدب جم: ياديكسون لست صديقنا وصديق العرب فحسب، إنني أرى أنك تلبس كواحد منا، ولذلك أرحب بك مرات ومرات" وتحدث "الملك" إلى الحضور، طالباً من ديكسون ، نقل حديثه الى حكومته، وركز على القضية الفلسطينية" نحن ورعايانا قلقون جداً بسبب مسالة فلسطين، وسبب قلقنا هو الموقف الغريب الذي تتخذه الحكومة البريطانية والشعب الانجليزي بصورة عامة". ** حافظ وهبة ولد الرحالة، داعي الاصلاح، الدبلوماسي "حافظ وهبة" في القاهرة في 15 يوليو من عام 1889م ، لاسرة متوسطة درس في الكتّاب وتوسعت مداركه بعد مغادرته الأزهر الى مدرسة القضاء الشرعي، ولم تعجبه فغادرها بعد سنتين الى _ الاستانة او اسطنبول - حيث عمل في صحيفة - الهلال العثماني- ولم تطب لي الحياة في تركيا، ولاسيما بعد الخلاف مع صاحب الجريدة حول ما رأيته من حق العرب ان يشاركوا الاتراك في حكم بلادهم ، وتوجهت الى الهند ،ووجدت مشاكلها السياسية لا تختلف كثيرا عن مشاكل مصر، فيها من يناويء الانجليز ومن يواليهم ، فغاردتها الى البصرة، لما علمت ان الحكومة البريطانية تعمد لاعتقالي " ومنها الى الكويت، فدرس في المدرسة المباركية" ووجدت في أهل الكويت الامانة والوفاء والصدق في المعاملة والتدين". وكان أول مرة يسمع بها عن : آل سعود " ما سمعته في صغري من - الشيخ محمد عبده - من إطراء للمجدد محمد بن عبد الوهاب وامتداح لآل سعود ، وما وطدوه في جزيرة العرب من احياء معالم الشريعة الاسلامية وخلق روح جديدة". وفي الكويت " تعرفت بالملك عبد العزيز عام 1916م عندما جاء معزيا في وفاة الشيخ جابر المبارك الصباح ، وكان يعرف في ذلك الوقت بالأمير عبد العزيز ، والتحقت به عام 1923م ، مغادرا الكويت، فوصلت الى الرياض بعد رحلة على الابل استغرقت 14 يوماً ، وقد التحقت به بعد محن طويلة: اعتقال بالهند ومصر من الانجليز ، ونفي من البحرين ، وأنساني ما حباني به الملك عبد العزيز من ثقة، مرارة الالم ، وقوى في روح الامل في هذه الامة الكريمة، القوية بإيمانها الغنية بتاريخها وامجادها". وقال الرحالة في مقدمة كتابيه، والذي نقتصر في النقل منهما على بعض ما تحدث به عن البلاد السعودية وسكانها ، وخاصة عن الملك عبد العزيز، ان ضمن " مازاد من تعلقي بجزيرة العرب ، شخص الملك عبد العزيز بن سعود ، فقد رأيت فيه ملكا عظيما، وعربيا مخلصا، يحب قومه العرب، ويخلص للإسلام وتعالميه، ويتوق الى أن يؤسس مملكة عربية فتية ، تضطلع بأمر العرب، وتعمل لإعادة مجدهم القديم، وتسير على منهج التقوى، والعمل بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء ، كما ترغب في النهوض ببلاده ومملكته ، حتى تبلغ مبلغ البلاد والممالك الراقية، ولاسيما أن فيها الحرمان الشريفان، اللذان هما موضع احترام المسلمين وحبهم ، وفيها قبلتهم ، وإليها حجهم". ووصف أول لقاء له بالملك عبد العزيز في قصره بالرياض " في حجرة متواضعة ، مفروشة فرشاً بسيطاً ، لكن الرجل ملأها عظمة وجلالاً" ومنذ هذا اللقاء اصبح الشيخ حافظ وهبة، من مستشاري الملك عبد العزيز. وأمكنه تعامله عن قرب مع الملك عبد العزيز من تقويم فكر الملك عبد العزيز السياسي ، من خلال مواقفه الواقعية، وترويه في الامور، وعدم انفعاله "لقد كان - عبد العزيز سياسياً بارعا، وكان واقعيا لا يخدعه الخيال، ولا يتمسك بالأوهام، ولا ينقص قدره مبالغته في الحذر من الانجليز ، والقدرة الفائقة في المناورة السياسية مع قياداتهم في منطقة الخليج" وهم يومئذ الامبراطورية العظمى التي تسطير على أكثر العالم العربي والإسلامي. ** سانت جون فيلبي ولد "سانت جون فيلبي" لأبوين انجليزيين عام 1885م في - سانت جون - بسيلان - سريلانكا اليوم - حيث كان والده يعمل في تجارة القهوة، ولعله أخذ اسمه من مسقط رأسه - وبعد تدهور حالة والده المادية لتبديده امواله في النزوات ، اخذته والدته - كويني دنكن- التي تمت بقرابة لبيرنارد مونتجمري قائد معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية، أخذت الام ولدها الى بريطانيا لاستكمال تعليمه ، ولما ظهرت على ولدها علامات النبوغ ادخل الى مدرسة - وستمنستر - الشهيرة وكان الأول على أقرانه ، ألمعياً ، قوي البنية ، معتداً برأيه " وتخرج منها ليلتحق بكلية - تيريني - الشهيرة في جامعة كيمبردج ، وتخرج بامتياز عام 1907م ، ثم سجل اسمه ضمن الراغبين في العمل لدى الحكومة البريطانية في الهند، وتمهيداً لذلك درس عاما اضافيا اللغتين الفارسية والهندوستانية، ولسبع سنوات في الهند من عام 1908م ، كان يدرس الى جانب عمله الاداري : البنجابية ، والاردية، وبدأ في تعلم القرآن الكريم، ودراسة اللغة العربية. أرسلته بريطانيا على رأس بعثة عام 1336هجرية - 1917م إلى الرياض في مسعى منها لتسوية الخلاف بين الشريف حسين أمير الحجاز - وعبد العزيز آل سعود سلطان نجد ، على حدود نجد والحجاز ، وبعد عودته من مهمته هذه ، اختلف مع رؤسائه ، حيث كان يرى أن توفي بريطانيا بوعودها للعراقيين، على خلاف ما يرى رؤساؤه ، فسافر - جون فيلبي - إلى لندن. بعد اكمال الملك عبد العزيز توحيد الحجاز، عاد - جون فيلبي فأسس في - جدة - شركة تجارية، واستورد سيارات وتاجر بها، وتعرف عن قرب على الملك عبد العزيز ، فدعاه عام 1924م الى الإسلام ، فبدأ في دراسته، معترفاً بأن الملك عبد العزيز لم يحاول الضغط عليه ، وتركه لضميره وقناعته، وانتهى بعد تفكير وتأمل الى اعتناقه عام 1930م " ارتديت مئزر الاحرام لأقوم بالفريضة الأولى من فرائض الانتماء الى ابسط ديانة عرفها العالم، وأقلها تعقيداً ، وأكثرها تأثيراً ، وهي الديانة التي كنت منذ أيامي الأولى في الهند، قد اتصلت بها عن كثب، والتي يدين بها العرب، الذي نذرت نفسي لخدمتهم، ولم تعجبني ممارسة مسلمي الهند للإسلام، ولا ممارسة سنة العراق له، وعندما مضيت الى السعودية وجدت الفكرة المبسطة عن الاسلام ، تستمد وحيها وإلهامها من القرآن الكريم ، وسنة الرسول الأعظم، وتبتعد عن النظريات ، والعقائديات الدينية المتشابكة والمعقدة، ووجدت أن مقاييس الإسلام الدينية تنسجم مع الحاجات الاساسية للبشرية، وأكثر من أي دين آخر، وقررت اخيراً بعد تفكير طويل ودرس عميق، ان اصبح واحداً منهم، وأن ألقي بحظي بين حظوظهم". وقد شارك في عقد لشركة ماركوني لنصب محطات اتصالات في المملكة، وشارك في الترتيبات التي حصلت فيها الشركة الامريكية على امتياز البترول في المنطقة الشرقية من المملكة عام 1352هجرية - 1933م وقام بين 1950-1953م برحلات استكشافية في الجزيرة العربية ، واستحق ان ينقش على قبره بعد دفنه في بيروت عام 1960م " هذا أعظم مكتشفي جزيرة العرب" كما كتب عنه علامة الجزيرة حمد الجاسر " أنه اسدى للجزيرة العربية يدا قصر عن مدها إليها من سواه" بل إن المؤرخ الأمريكي - جورج رنتز اعتبره " مؤرخاً للمملكة العربية السعودية" فقد شملت كتاباته عن المملكة أكثر من 15 كتاباً، إضافة الى عشرات المقالات.. ** الطريق إلى مكة - ليوبولد فايس - "محمد اسد" ليوبولد بن كيفافايس حفيد الحاخام الارثوذكسي - بنيامين فايس تشير نوفيتش - ولد في يوليو 1900م في مدينة "لفوف - ليمبرج النمسوية" في بولندا حاليا، والتي كانت جزءاً من الامبراطورية النمساوية ، وتلقى في صغره تعليما مكثفاً في العبرية والديانة اليهودية" لكن المفهوم - القبالي اليهودي - المشغول بمصير أمة واحدة: اليهود التي ترى نفسها شعب الله " سيتضارب بسرعة مع مفهومه لله: خالق جميع البشر وراعيهم" ، وعام 1914م عندما كان في الرابعة عشرة، انتقل مع أسرته إلى - فيينا - التي كانت من ابرز مدن الاشعاع الثقافي في اوروبا ، والتي كانت في بداية القرن العشرين مركز "فراغ القيم" وانتشرت فيها حركات غريبة مثل " التيوصوفية، واستحضار الارواح ، ومذاهب الشرق الأقصى الصوفية، وفيها تعرف من الداخل على الثورة التعبيرية، والسخرية الدادية، وملامح واقعية هجائية عنيفة". وحال انهيار الامبراطورية النمساوية دون التحاقه بالجيش، فواصل بعد نهاية الحرب العالمية الاولى دراسته الجامعية التي لم يكملها في جامعة " فيينا" في مجال الفلسفة والآداب ، في عام 1920م قام برحلات في اواسط اوروبا، حيث كان الحظ ينتظره في "برلين: فأنقذه من عامل سنترال ، إلى عالم الصحافة". عمل مراسلاً لجريدة "فرانكفورتر زايتونج" في الشرق الاوسط ، مما اتاح له الاختلاط بعامة المسلمين والدخول في نقاشات مع مثقفيهم وقادتهم في فلسطين ومصر وشرق الاردن وسوريا والعراق وإيران وافغانستان ، وكان يقوم ببعض مهماته الصحفية في المنطقة العربية " متنقلا خفية ومشياً على الاقدام بين بعض مدنها في بعض الاحيان" وساهمت قراءاته عن الدين الإسلامي في فهمه، وفهم تاريخ المنطقة وشعوبها" وعكست كتاباته الصحفية عن فهم سياسي مدهش للمنطقة العربية " وكتب عام 1924م أول كتبه" مشرق مجرد من الرومنطيقية - يوميات رحلة". وعاد إلى برلين ، وفي عام 1926م وقع له حادث غير حياته كلها: رأى هو وزوجته رجلا وزوجته على أحسن هيئة ، لكنهما غير سعيدين، مما دفعهما للتساؤل : لماذا؟ لابد أنهما يعانيان من خواء روحي، فلما عاد الى منزله تصفح القرآن الكريم فقرأ " ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر- السورة" منذ تلك اللحظة هز القرآن الكريم رأسي: اليس في السورة جواب لسؤالنا؟. منذ ذلك اليوم اعتنق "فايس وزوجته" إلسا" الاسلام على يد صيقه الهندي : رئيس الجالية الإسلامية الصغيرة في برلين ، وهو الذي اطلق عليه اسمه الجديد " محمد اسد" وغير لباسه ، وترك فورا وظيفته في الجريدة ، وتوجه لأداء فريضة الحج عام 1927م "حيث مكثت في الشرق 25 عاما متواصلة ، وبلا إنذار وصل عالمي القديم الى نهايته ، إنغلق الباب خلفي بصمت لم أعِ فيه شيئاً".وعندما لبس الإحرام عند الميقات " ارتفعت أصوات التلبية: لبيك اللهم لبيك، صيحة سرور من التسليم انطلقت من حناجر الحجاج ، أمانيهم وأمانيّ أنا ، ذلك أن منظر شاطئ الجزيرة العربية كان بالنسبة إلي ّ، ذروة سنوات من البحث ، ونظرت الى زوجتي - إلسا - التي كانت ترافقني في حجتي الأولى، فقرأت في عينيها الشعور ذاته". وبعد تسعة أيام من أول نظرة نظرها إلى الكعبة المشرفة، حدث تحول جديد في حياته، فقد ماتت زوجته الرسامة البرلينية :" إلسا شيمان" فجأة، ودفنت في قبر غاية في البساطة ، وبعد أيام من وفاتها، قابل الأمير فيصل " الملك فيصل بن عبد العزيز " فدعاه للقاء والده " الملك عبد العزيز" والذي كان كعادته يرعى الحجاج كل عام، فكانت منذ ذلك التاريخ لقاءات يومية في مجلس الملك المؤسس، قال عنها " نعمتُ بصداقة - ابن سعود - " والذي رآى فيه " رمزاً لإسلام قويم، يضع فيه كل ثقته" وقضى " محمد أسد" 6 سنوات بين مكةالمكرمةوالمدينة المنورة، يدرس العربية والقرآن والحديث والتاريخ الإسلامي. من أشهر كتب " محمد أسد" سيرته الذاتية لشطر من حياته حتى عام 1932م، وهو الكتاب الذي أعطاه عنوان " الطريق إلى مكة" وترجم إلى العربية بعنوان " الطريق إلى الإسلام" وترجم إلى الالمانية والى عدد من اللغات، ووصف الدكتور عبد الوهاب عزام الكتاب " بأنه يفيض على قارئه في كل فصل حباً للعرب. وإكباراً لأخلاقهم، وإعجابا بالإسلام ، وقدراً لعقائده، وشرائعه وسننه وآدابه" ولأن الكثير من هذه السيرة الذاتية يتعلق بترحاله بحثا عن لقمة العيش حينا، وتلبية لفرائض الإسلام، وخدمة له ، سرداً لاكتشاف رجل أوروبي الإسلام، ولصيروته جزءاً لا يتجزأ من البيئة الإسلامية " ويعتبر محمد أسد أهم ايام رحلته" تلك الأيام ال 23 أثناء رحلتي الأخيرة في الجزيرة العربية عام 1932م إلى مكةالمكرمة ، لأن حياتي ظهرت لي أوضح ما يكون أيامها".