شيخنا الشيخ حسين بن سفر بن شرية، الداعية الذي فتحنا أعيننا عليه، وانفتقت أذهاننا بدعوته ودعواته واستقامته وصلاحه. رجلٌ وفقه الله للدعوة إليه في وقتٍ كان الناس في مناطقنا - شرقي عسير - بحاجة ماسة إلى الداعية القريب منهم، العليم بأحوالهم، المتفهم لأوضاعهم المقدر لحاجاتهم، وقد كان - رحمه الله- كذلك، وكان حريصاً تمام الحرص على توجيه الناس وتبصيرهم ودعوتهم، يبذل في سبيل ذلك جلَّ طاقاته وأوقاته وكامل قوته وقدراته؛ فكان يدعو المشايخ والدعاة، ويقيم المحاضرات والكلمات، ويخطب في الناس، ويصلي بهم في المناسبات والأحوال الشرعية، ويُسمعهم القرآن بصوته الفريد ونبرته المتميزة، ويحدثهم في المجالس والأسواق، ويرشدهم ويرغبهم في الخير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حتى تبصر الناس في كثير من أمور دينهم في عباداتهم وطاعاتهم، وفي معاملاتهم اليومية، ومناسباتهم الاجتماعية، وفي سلوكهم وأخلاقهم وتعاملاتهم، يعملون بتوجيهاته ويثقون في توجيهه ونصحه كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً. وشيخنا كذلك نحسبه ممن آتاه الله سلامة القلب وطيب النفس، ومن أبرز مظاهر هذه الخصلة فيه: تشجيع الناس وحثهم على الخير، والفرح بمن يهتم بجانب من جوانب الدعوة ومسالك الخير. على المستوى الشخصي لا أنسى تشجيعه لي في بداية اهتمامي بالجانب الدعوي، بدعواته التي تلامس القلب وتنشط بها الروح، وبمتابعته ودعمه المعنوي، ومن المواقف التي لا تنسى له: في شهر رمضان عام ١٤٢٨ اتصل بي مشرف المساجد في ذلك الوقت فضلية الشيخ ناصر الصنيج - حفظه الله ورعاه - وأخبرني بأن الشيخ حسين رحمه الله يكلفني بخطبة العيد في مشهد العيد بمشروفة، فطلبت من الشيخ ناصر أن يعفيني من هذا وأن يعزّم على الشيخ حسين بأن يخطب في الناس، فهو شيخنا وأقدرنا وأحقنا بذلك، وحاول معي الشيخ ناصر ناقلاً لي موقف الشيخ ورأيه وما علم من رغبته الملحة؛ لكني طلبت من الشيخ ناصر أن يعذرني وينقل له تقديري واعتذاري. ولم يمض بضع دقائق حتى اتصل بي شيخنا الشيخ حسين رحمه الله، وعزّم علي أن أخطب في الناس، فقلت: يا شيخنا، أنت موجود، والناس قد ألفوك وينتظرونك وينتظرون منك، وأنا واحدٌ من أبنائك قليلُ الخبرة والبضاعة، فليس لي إلا سنياتٌ معدودةٌ في هذا المجال، وأخبرته أني اعتذرت إلى الشيخ ناصر لأجل كل ذلك؛ فرفض الشيخ حسين رفضاً قاطعاً، وأقسم علي بالله، وذكر من حسن ظنه ما ذكر؛ فما كان إلا أن أجبته لذلك على حرج شديد، وكانت أول خطبة ألقيها في مناسبة العيد وفي جمع كبير من الناس، وقد حضر معي في الصف الأول، وابتدرني بالسلام بعد الخطبة وبالدعاء والتشجيع، ثم لم يكتف بذلك بل لحق بي إلى باب المنزل، وقال لي من الكلام الطيب وعبارات التشجيع ما قال في المصلى وزيادة، وحتى ولّد في نفسي الثقة وأشعرني بقيمة هذا الحدث وهذه الخطوة التي أسأل الله تعالى أن يجعلها في ميزان حسناته، وأن يثبتنا ويصلح أحوالنا وأعمالنا. رحم الله شيخنا رحمة واسعة، رحمه الله من داعية موفق، وناصحٍ أمين، ووالد مربٍ، وجعل ما قدم في ميزان حسناته وصالح أعماله، وجعل قبض روحه في الشهر الفضيل والليالي الكريمة: خاتمة حسنة له؛ في شهر مبارك، ويوم مبارك - يوم الجمعة - وساعة مباركة - في الهزيع الأخير من الليل - وعلى صبر ومصابرة مع المرض، وبعد حياة ملؤها الطاعة والدعوة إلى الله، نرجو أن يكون الله قد أحسن خاتمته بذلك، ونسأله أن يكرمه بجنته ورضوانه، وأن يجزيه خير الجزاء ووأفاه، وأن يحسن العزاء لأولاده وأهله ومحبيه ولأهل طريب وما حولها عامة ولكل مصاب بفقده. والحمد لله على كل حال، وإنا لله وإنا إليه راجعون. د. علي بن محمد آل نومة ٢٩ / ٩ / ١٤٤٣ هجريا