ما أن تفتح عينيك على هذه الدنيا، حتى تسعى لفهم ألوانها وطيفها من حولك، ونغماتها، وتميز بين عبق الحوادث. وينال منك النصب والتعب وكلما قربت زاد بعدك، وكلما طويت بعد المسافة زاد غربتك، لا تستطيع الوقوف ولا التريث، نحن فيها كالسحاب نمر مرور عجيب، لا يحدثك بسارق الوقت إلا التجعيد التي ترتسم في وجه والديك لتنظر لها كل يوم ، أو تلك الخصل البيضاء التي ظهرت كخيط في سواد شعرهم. وتتجلى لك ولديك في انعدام الرغبة في أمور كانت لك كمثل الروح، وتفتر عن ملاحق أحلامك، وبناء آمالك، وتخرج لك من دون رغبة "البصيرة في حقيقة الأمور " لتنكشف لك حقيقة الدنيا من حولك، وتشعر بمدى سذاجة فكرك، و تعلقك في هذه الدُنيا الفانية، و تتراجع عن خطواتك ويختفي طيشك ولربما مس شغفك منها الكثير، إذا ما نظرت بعين رمادية لا تفرق بين الوان الحياة، فلربما تصاب بعمى المواقف و يكسوك التعقل الموحش، حتى تفقد لذة الابتسامة في وجه من حولك، و تغترب الحياة في داخلك. حذاري أن تصاب بشيخوخة الجدية، فلا تبرح روحك أبدًا ولا تنقسم عن حياتك حتى تتثاقل أصوات الأطفال، و تكره ضحكات الأصدقاء وتصاب بوسواس الحكمة حتى في مواقف الضحك. إن الحياة حياة لمن أراد ولو بلغ من الكبر عتيا، إن الحياة يكسوها ألوان الطيف الزاهية البهية، عش حياتك بكل تفاصيلها ولا ترجح جانبًا على جانب، فالحياة مرة وفرصة.