قلما تجد في هذا الزمن من يواجه الموت بروح شجاعة، بروح تقهر الدنيا وعنتها، بابتسامة لا تنم عن المرارة بقدر ما تنم عن إيمان عميق بأن «كل ما خلا الله زائل»، وأن الزوال عن هذه الدنيا والابتعاد عن أهلها لا يعني أن يفقد المحبون والمخلصون ذكرى من أسعدهم ذات حزن، وشاركهم كل صفو. ودعت ومجموعة من الأصدقاء صديقاً رحل وما رحلت ضحكاته عن المكان، ترجّل عن صهوة التعب، أعياه الجسد قليلاً، لكنه أعيا كل أحزان الأرض من أن تسكنه أو تسكن من حوله من الأهل والصحب والخلان. كنا نخاله قد ورث البأس من جده «شجاع» الذي كان يناديه الملك عبدالعزيز ب «شجيع» يوم أن كان من رجاله وجنوده المخلصين، ثم حسبناه قد ورث الضحكة الصافية من والده عبدالله رحمهم الله جميعاً، أو لعله اكتسب الصبر عندما فقد فلذة كبده قبل سنين مضت، لكنه كان مزيجاً من كل هذا، بنكهته الخاصة، وروحه المختلفة التي سكنت جسده، ومازجت أرواح الكثيرين ممن عرفوا عبدالعزيز الحميضان. عشرات المصرفيين الصغار تخرجوا من مدرسته العملية، وعشرات الشباب استفادوا في مهنهم من خبرته الشخصية بعدما تقاعد مبكراً، والأهم أن مئات القلوب استودعته محبتها والفتها وقربها. ثقافة الموت منطقة مؤلمة، وأجواء الموت قاسية، والغياب يحبس الأنفاس والعبرات، لكن من ذكراه حاضرة حضور روحه العذبة يمد وجلنا بطمأنينة هي العزاء والدواء. كل يوم تمر بجوار هذه المنطقة، منطقة الموت، كل قريب لا محالة مبتعد، خذ نفساً عميقاً، وتذكر كما ذكرني من أحب أنه سيكون عندك وقت تبكي فيه بطريقتك، ومن تفقده ينتظر منك، الذكرى، وطلب المغفرة، والاحتساب، وابتسامة تشق طريقها بين دموعك هي همستك الدائمة لنفسك والناس والحياة التي تنبس بالشجاعة، وتضوع برائحة الحب. الموت لا يمر في المكان ولا في الزمان، الموت يمر في الوجدان، يزيدك جهلاً بكنه الحياة، الذي كلما قاربت من معرفته، أو حتى خُيّل إليك التعرف إليه، عجزت عن وصفه، بالقدر نفسه الذي تعجز فيه عن وصف كنه الحب، الحزن، أو حتى حالات اللاشعور التي تصطادك في كل مرحلة من رحلة هواجسك في الذات والوجود. يقول الداعية عائض القرني «نحن خلقنا للحياة، ولكننا حولنا حياتنا إلى الموت»، ربما تكون هذه حال الكثيرين، لكن يظل هناك من يحوّلون حياتهم وحياتنا إلى الحياة، يجعلوننا نعيش بصحو روح ونقاء سريرة. [email protected]