مشاعر الرحيل تؤرق مضاجع الصائمين.. ووداع لحظات الخشوع تؤلم جموع المصلين.. وهبات الرحمن توقظ ضمائر الغافلين.. وهدايا المحسنين تطرق أبواب المساكين.. فلا تجتمع كل تلك الكرامات إلا في شهر الرحمات.. من صلاة وصيام وقيام وصدقة وبر وإحسان وإطعام طعام .. سترحل يا رمضان وسترحل معك اللحظات والساعات والدقائق وستطوى صفحة الأيام والأشهر والسنوات.. وستبقى ذكرى نشتاق إلى تفاصيلها عامًا بعد عام.. ربما نكون ممن كتب الله له لقاءك مرة أخرى وربما نكون ممن توارى تحت التراب.. وتبقى تلك الذكرى هي الجذوة التي تشعل فينا الأشواق للقاء من جديد.. ولأن الرب كريم رحيم يحب لنا الفرح جعل بعد شهر الصيام والقيام والصبر والمجاهدة يومًا تقسم فيه الجوائز وتحصد فيه المراتب .. وشرع لنا الاحتفال بيوم عيد المسلمين وإظهار الفرح احتفالاً بتمام الطاعة من صلاة وتلاوة للقرآن وقيام وصدقة وبر وإحسان.. ويأتي العيد عيد الفائزين جعلنا الله وإياكم من العايدين والفايزين.. يأتي العيد بعد ليالي رمضان ودعوات الأسحار ودموع المستغفرين.. يأتي العيد وقد تغيرت أحوالنا وربما أقدارنا فالفوز عظيم.. لايشابهه أي فوز والجوائز ثمينة لا تُساوى بما على الأرض جميعها من الكنوز والجواهر والحلل.. يأتي العيد كل عام وقد تغير الكثير والكثير فينا؛أحوالنا أشكالنا علاقاتنا أعمارنا قلوبنا تفكيرنا رغباتنا قناعتنا .. كل عام نخطو إلى مرحلة أخرى من حياتنا ونطوي صفحة العام الماضي.. يأتي العيد بالفرح والبهجة والسرور منذ فجر أوّل يوم من أيام العيد تشرق الأرواح بالبسمات.. يأتي العيد بلبس الجديد وتفاصيل الفرح السعيدة فكل ما حولك يشعرك بالفرح أنه يوم (عيد).. يأتي العيد في قلوب الآباء والأمهات يشعرهم بعظيم الرسالة التي يحملون فالأبناء الصغار أصبحوا كبارًا وأصبح لديهم أبناء وبنات وهم الآن يرون طفولة أبنائهم وفرحتهم بالعيد في عيون أحفادهم.. يأتي العيد فرحة في عيون الأطفال تشفّ عنها قبلة أمٍّ وحضنِ أبٍ و في حلوى ولعبة وفستان وثوبٍ جديد.. يأتي العيد في اجتماع أحبّة وصلة رحم ٍ ووصل أقارب.. يأتي العيد في استشعار النعم وشكرها وتذكر أحوال المسلمين الأحياء والأموات والدعاء لهم.. يأتي العيد في هديّة تغلفها بحب وتقدمها بود لأجمل قلبين في هذه الدنيا لمن انتظرا قدومك لهذه الحياة وحملاك بين ذراعيهما وعبرا بك دروب الحياة حباً وخوفاً وشفقةً حتى أوصلاك إلى بر الأمان ومايزال بين جنبيهما قلب يخفق بحبك ويدعو لك بالخير والصلاح في كل آن.. تذكرهما وأنت تشتري الجديد لأبنائك وبناتك واحمد الله على بقائهما؛ فالراحلون لايعودون.! يأتي العيد في فرحة تدخلها على قلب قد نسي شكل الهدايا وألوانها وأسماءها بين زحمة متاعبه وقمة حاجته.. يأتي العيد في زيارة دار الأيتام والمسنين والمرضى وتهنئتهم وإدخال السرور على قلوبهم.. يأتي العيد في أنثى كانت بالأم والأب بارة محسنة ،وعلى الأخ والأخت حنونة مشفقة وللزوج والابناء حبيبة عطوفة وللجيران والأقارب والأصدقاء وفية صدوقة.. الأنثى في عيدكم أفراح ؛لأنها أيقونة السعادة الدائمة .. قبل الوداع أُهنئكم بالعيد وأهديكم بيتين رائعين للشاعر القدير عيسى جرابا: التَّهاني نبضُ العيد… إنْ مَالَتِ الدنيا… بِنا فَأقَلُّ شَيءٍ أنْ أُهنِّي! .. هنَّأْتُ بالعيدِ البعيدَ… فكيفَ أنتَ وأنتَ منِّي؟! .. بقلم/ فاطمة الجباري