فاقد الشيء ليس بالضرورة لا يعطيه ، فاقد الشيء الأكثر عطاءً وسخاءً ؛ أحس بمرارة الفقد ، ولوعة الحرمان ، وذاق طعم الألم وعانَى الأمرّين ، وليس عدلاً أن نقول ؛ فاقد الشيء لا يعطيه ، بل على العكس تماماً.
في داخل كلاً منّا طريقاً لا يصل إليه كائناً من كان ، ولا يدركُ مفاتيح أبوابه أحد ، جوانب مظلمة تخفي خلفها أسرار دُفنت ، يستجديها صاحبها في كل مرة يجلس على قارعة الطريق يقرأ عليها ” أم الكتاب، والمعوذتين” ما إن ينتهي حتى يطويها طي السجل قاذفاً بها في أغوار النفس متناسي متجاهلاً نِزاعاتِه الداخلية ، ماضياً في سبيله ، يُهدي هذا ويرسم بسمة على شفاه هذا ويدثر بالدعاء قلب هذا ، غير مكترث لِنَزْفه الداخلي ، تعالى وسمى عن نظرة الشفقة ، فقد شيء و اعطاء أشياء.
عليك أن تدرك أن الحياة ميادين ، البقاء فيه للأقوى وقد يكون للأكثر مراوغة ومجاملة ، وإن شئت فقل : أكثر كذباً، وأصدقهم نفاقاً ، وألطفهم قولاً واخبثهم قلباً وقالباً ، في حين أن ميادين ذاك الطاهر خاوية على عروشها من الأصحاب والأحباب ، لا يرتادُها سوء عابر سبيل أنهكته الحياة ، لا يعرفونها إلا حين يتساقطون جرحى ، يطوفون بها و يقتاتون على قطوف طهرها ، ويضمدون جراحِهم من لطفها وبلسمها ،يرتشفون من سلسبيلها عذباً سائغاً للشاربين ، ثم يخرجون منها قائلين : ( فاقد الشيء لا يعطيه ) ، والله لقد كذبوا ..