بقلم | علي أحمد المطوع فى كل إجازة حج من كل عام ،أحرص ان تكون جدة مكانها وزمانها ،أنيخ فيها ولها كثير من ذكريات مضت ،بعضها تجاوز الثلاثين عاما والبعض الآخر يبحث عن أرشيف يخلده ،أو مناسبة تخرجه من دوائر النسيان . لن أسهب فى قيمة جدة التاريخية ،ولن اصطف مع أو ضد من يراها بكسر الجيم أو ضمها ،فأنا أعشق جدة بكل تجلياتها ،المكانية والتاريخية والزمانية ،أعشق كل حالاتها الإعرابية بناء وإعرابا ،مبتدأ وخبرا ،لأن جدة كالصفحة البيضاء تستطيع أن تملأها بما شئت من ماضٍ وحاضر، وعبق ذكريات . فى (البلد) هناك قصص ومآثر ،حارة المظلوم وقصة متهمها البريء الذي لم تثبت إدانته ،وحارات البحر والشام واليمن ،والأسواق بكل تنوعها سواء كان هذا التنوع بضاعة أو مرتادين ،كل ذلك يحكي شيئا من ثراء جدة وأهلها . فى ركن صغير فى عمارة الملكة،هناك مقهى عامر بالذكريات قبل الزوار ،خصوصية هذا المكان أن ذكرياتك فيه تؤرشفها القهوة ونكهتها النفاذة . قبل عقدين ونصف كنت طالبا فى الجامعة وكان كوب القهوة فى هذا المكان يحيلك إلى شخص برجوازي أو استقراطي ،لا لشيء إلا لأن بعض الوجهاء كانوا يشاطرونك فيه المكان والزمان ذاته . كان أرشيفي وما زال يزخر بالكثير من لحظات رؤية هولاء المشاهير فى ذلك المكان ،فى زمن كانت الذاكرة وحدها من توثق اللحظة العابرة وتستوقفها لتحولها إلى حكايا أسطورية تحكى للزملاء والأحباب ،بعكس اليوم فمع تقنية الجوال أصبحت لحظاتنا توثق فى الأجهزة مجانا ولا تعاش ! . جدة مركز حضاري ،فيها التنوع على كافة الأنساق ،سواء كانت ثقافية او اجتماعية ،وانفتاحها على العالم كونها بوابة الحرمين جعل منها المكان الأمثل لتلاقح الثقافات وتعدد الرؤى والمفاهيم ،وهذه ميزة تجعل من جدة مركزا أو أيقونة إنسانية تجمع البشر وتعيد تشكيلهم وفق طبيعتها الجغرافية وقبلها خصوصية مكانها كونها بوابة الحرمين للعالم أجمع . بقيت مقولة شهيرة عن جدة ،يتداولها الناس جميعا ،فهم يقولون :-جدة أم الرخاء والشدة ،ويبدو أن الإنسان كان وما زال يتعاطى الحياة وفق ثنائياتها المتناقضة ،كالخير والشر والعسر واليسر ،وجدة تعيش رخاءً غير مسبوق شواهده كثيرة ومتعددة ،أما الشدة فلا أراها إلا في البعد عنها والنأي عن جمالها الخلاب الذي لا يحسن اقتناصه إلا عاشق ولهان عاش جدة مكانا وزمانا وإنسان .