بقلم | ريم البشري بلقيس صديقة حميمة .. حدثتني يوماً عن امتعاضها من النساء اللواتي لم ينجبن إلا مولودًا واحد أو اثنين وترى أن ذلك بسبب عدم تحملهن المسؤولية وعدم الاهتمام بتكاثر النسل وتكثير سواد المسلمين وكنت حينها قد أنجبت ابني الأول وعرفت معنى كربة الحمل وآلام المخاض فقلت لها باللهجة العامية مداعبة لها : “تزوجي يا بلقيس واحشري الأمه بأولادك” مضت الأيام وتزوجت صاحبتي وأنجبت مولودها الأول اتصلت بها مباركة ومهنئة وقلت كيف الولادة يابلقيس ؟؟وكأني اذكرها بماضي قولها فما كان منها إلا أن ضحكت بصوت مسموع ثم قالت : الحكم على الشيء فرع عن تصوره عندها تذكّرت هذه القاعدة الفقهية الجليلة المشهورة بين العلماء على اختلاف مذاهبهم قال الجرجاني رحمه الله: “التصور: حصول صورة الشيء في العقل” وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: “من القواعد المعروفة المقررة عند أهل العلم: الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ فلا تحكمْ على شيء إلا بعد أن تتصوره تصوُّرًا تامًّا؛ حتى يكون الحكم مطابقًا للواقع، وإلا حصل خللٌ كبيرٌ جدًا” ومن هنا فالأحكام الفقهية التي تخص النساء من حيض ونفاس وطهر من الأفضل أن يؤخذ تصورها من المرأة بحكم تجربتها لهذه الوقائع فالرجل مهما بلغ من العلم فهو لن يتصورها تصورا حقيقيا لبعده عن واقعها ولم يجربها واذكر أن شيخنا بن عثيمين “رحمه الله” تراجع عن حكم الرطوبة عند المرأة عندما قامت ببحث المسألة الداعية الكريمة رقية المحارب لعدة سنوات وعندما ناقشت الشيخ في الحكم تراجع عن فتواه لأنها تبحث وتتكلم من واقع تجربة للواقعة كأنثى ومن هنا تظهر أهمية هذه القاعدة في أن صحة الحكم على أي شيء؛ من واقعة أو مسألة أو نازلة أو قضية لا تكون إلا بعد أن يتصوَّرَ الإنسان الشيء المسؤول عنه تصورًا صحيحًا كاملاً، ويَفهَمَ حقيقتَه ومعناه فهمًا دقيقًا ليتمكَّنَ من الحكم عليه لأن الحكم على الشيء بالنفي أو الإثبات فرع عن تصوره، فصحة الحكم تتوقف على صحة التصور، فالحكم على الشيء لايتحقق الا بمعرفة الواقع وقس على ذلك في أمور حياتك كلها فلا تحكم على شيء إلا بعد أن تقف على واقعه وتتصوره جيدا فحكمك على إنسان أو تصرف أو حادثة ما يجب إلا يكون إلا بعد تمحيص وعلم بواقع الحال والتثبت في حقيقة الامر فليس من رأى كمن سمع.