جملة سمات حضارية وثقافية أسهمت في فوز أبها بلقب عاصمة السياحة العربية ٢٠١٦ م وتربعها طوال ٤ عقود على عرش العمل السياحيّ في المملكة ، مع ما تمتاز به من موروثات قيمة ومادية يحرص عليها المثقفون والأهلون . ويقول أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك خالد المتخصص في أدب منطقة عسير أحمد بن عبدالله التيهاني : ” إن في أقصى الجنوب الغربي من تجاويف القلب ؛ تتربّع أبها على عرشِها الشاهق ، مدينةٌ تخطفُ الأبصارَ بجمالِها الأخّاذ ، لتبقى في ذاكرة أهليها والقادمين إلى حقول دهشتها مدينةً فريدةً باهرةَ الإسناء ، مدهشة التفاصيل ، عريقةَ الإيحاء ، إذ يذكر أحدٌ المؤرّخين أنّ أبها تعودُ إلى ماقبل الميلاد بستّمائة عام ، وكانت تُسَمّى “هيفا” أو “إيفا” ، وأنّها إحدى المدن الكبرى في دولة سبأ ، بينما يذكرُ الأستاذ محمود شاكر في كتابه: “شبه جزيرة العرب” أنّها بلدةٌ غير معروفةٍ في التاريخ وإنّما المعروف هو وادي أبها الذي عُرفَت باسمه فيما بعد وربّما جاء هذا الاسم من البهاء الذي يعني صفات الحُسْن والجمال ، والواقع أنّ أبها – قبل هيئتِها الحديثة- كانت قرى تنتشر على جنبات واديها الخصيب ” . جبال بمثابة معالم يلفت التيهاني إلى أن الجبالُ تحيطُ بأبها من غير جهة ، حتّى باتت هذه الجبال معالمها الحديثة ، ومن هذه الجبال التي كانت قلاعاً حربيّة في بعض فترات التاريخ : جبلُ ذرة ؛ وهو إلى الجنوب من أبها ، ويبدو مثلَ الهرم العملاق ، وقد كان ثكنةً عسكريّة تركيّةً ، ثم خُصِّص في فترةٍ تاليةٍ للاتصالات اللاسلكية ، ليصيرَ – مؤخَّراً – معلماً سياحيّاً ولوحةً فنّيّة تحيط به المدرّجاتُ الخضراءُ نهاراً ، وينبعثُ منه الاخضرارُ ضوءاً ليلاً . وأقل ارتفاعا من أبيه جبل ذرة ؛ يوجد جبلُ شمسان ؛ وفوقه باحةٌ عليها قلعةٌ كانت تحمي المدينةَ من الشمال ، وقد غطّاه العمرانُ الكثيف باستثناء قلعته . أما جبلُ أبو خيال ؛ وهو شقيق جبل ذرة ، كانت به قلعةٌ لمراقبة عقبة ضلع ، وقد بات الآن مزاراً سياحيّا ، ومحطّةَ توقّفٍ للعربات المعلّقة . الأحياء الأصلية .. كلها تاريخ ويؤكد أستاذ الأدب والنقد أن أحياءُ أبها الأصليّة كلّها تاريخ ، وأقدمها حي مناظر ، ويُقال إنّه أصلُ أبها ، وقد أُزيل هذا الحيّ وقام مكانه سوقٌ كبير ، وحي المفتاحة وهو على الضفّة الجنوبيّة لوادي أبها ، وكان مشهوراً بكثرة بساتينة ، ووفرة مياهه ، وبه قلعة المفتاحة التي بناها الأمير العسيريُّ علي بن مجثّل سنة 1242ه ، وقد أزيلت أكثرُ بيوت هذا الحيّ ، وأقيمت مكانها “قرية المفتاحة التشكيليّة”, وهي مُنشأةٌ فريدةٌ من نوعِها أقيمت للفن والجمال ، حيث تضمّ اثني عشر مرسماً للفنّ التشكيلي ، وأربع صالاتٍ للعرض ، وعدداً من محلات بيع التحف والمخطوطات والأثريّات على اختلافها, وإلى جانبها – على الطراز المعماريّ نفسِه – مسرحُ المفتاحة الذي صارَ تاريخاً بأحداثه وفعاليّاته الفنّية المتجاوزة عبر أكثر من عقدٍ من الزمان ، وتُعدُّ المفتاحة قلب أبها النابض بالفنون والثقافة والتراث ، بالإضافة إلى حيّ القرى ؛ وكان يُطلّ على بساتين المفتاحة غرباً وعلى ساحة البحار التاريخيّة من الجهة الشرقيّة ، وقد أزيلَ الحيُّ منذ أربعة عقود وأُقيم في مكانه مجمّعٌ للإدارات الحكوميّة. وإلى الشمال الغربي من مناظر ؛ حيّ الرَّبوع ، ويوحي اسمُه بأنّه كان سوقاً أربعائيّاً ، وقد أُزيل هذا الحي ، وبجانبه من الجهة الغربيّة حي نعمان ؛ ويقعُ على رأسِ ربوةٍ تُسمّى رأس نعمان . ومن الأحياء التي لا زالت قائمة ؛ حي الخشع الذي ربّما سُمّي بهذا الاسم لكثرةِ أشجاره وتشابكها ، حيث كان العسيريّون يطلقون على ذلك “خيشعة” أو “خشعة” ، وحي النصب ؛ وهو امتدادٌ لحيّ الخشع من الجهة الشماليّة الشرقيّة ، وبه مزارعُ أنيقة ، وحي مقابل ؛ وكان مقرّ المتصرّفية العثمانيّة ، ويُقال إنه كان به قصرٌ يُسمّى “مقابل” ، فيما يقول آخرون: إنّه سُمّي بهذا الاسم لأنّه مقابلٌ لحيّ الرّبُوع ، وقد أنشأ الأتراك سنة 1332ه جسراً على وادي أبها ليربط بينه وبين حيّ الرّبوع ، ومازال هذا الجسر حتّى اليوم . وهناك أحياء أخرى مثل : لبنان ، ضباعة ، الصفيح.