قرر الأطباء في مستشفى الحرس الوطني بتر أصابع قدم عمتي (زوجة والدي) وحددوا الموعد باليوم والساعة وحذروا من التهاون في أي تأخير. من خلال مايجري يبدو الأمر طبيعي جداً في هذا المستشفى وغيره من مستشفياتنا، فعمليات البتر بالعشرات، بعضها يبدأ بالإصبع ولا ينتهي إلا ببتر كامل الرجل في رحلة عذاب للمريض وأقاربه أبطالها ممن نعدهم ألطف خلق الله بعباد الله وبموافقة المغلوب على أمره وبعضهم ينتهي به المآل بعد البتر تلو البتر إلى المقبرة. ليس من السهل اتخاذ قرار في مثل هذه الحالات، ويبقي السؤال الأصعب من الذي سيتخذ القرار من إخواني ليوقع على عملية بتر أصابع والدته الحانية؟ في مثل هذه الحالات يكثر الجدال والنقاش وتكثر الوصفات الطبية الشعبية وتطرح الأسماء تلو الأسماء ولكن الأفق تضيق بمن مسّه الألم ويتيه صاحب القرار في غياهب الأفكار وماقد يحصل وماقد يكون. ساقتنا العناية الإلهية بالأخذ بأحد الآراء، وكانت الوجهة إلى مستشفى محافظة البشائر ببلاد بالقرن حيث اتجهت الأنظار إلى الدكتور عماد الدين حجازي الذي تم على يديه بتوفيق من الله إنقاذ المئات من المرضى من حالات البتر ومن ضمنهم مريضتنا التي عافها الله على يدي هذا الدكتور المخلص المتواضع ولنكتشف لاحقاً أن مجموعة كبيرة من أهالي طريب لوحدها قد تعالجوا وبرئوا مما أصابهم في نفس المستشفى وعند الدكتور نفسه فما بالكم ببقية المناطق. أصبحت مدينة البشائر الهادئة مقصداً لعشرات الأسر من مختلف مناطق المملكة والخليج ممن ولوا هاربين من جحيم المستشفيات الأخرى وسوء التشخيص ومجزرة البتر المتتالية. العجيب أن هذا الدكتور لم يأت بشيء غريب ليعالج به مرضاه، ولم يلجأ لعيادة خاصة أو شعبية ليمارس فيها مهنته، كل مافي الأمر تنظيف وتعقيم واستخدام العسل والمضادات الحيوية وغيرها من الأدوية المرخصة وتتم المعالجة في نفس المستشفى وقبل ذلك التوفيق في تشخيص المرض وإخبار المريض بإمكانية العلاج من عدمه. والأعجب هو تجاهل المسئولين والإعلام لهذا الدكتور الذي وحسب ماوصلني رفض الهدايا وحفلات التكريم وقبل بنسخة من القرآن الكريم عوضاً عن السيارة والريالات. أين وزارة الصحة ؟ لماذا لم يستفيدوا من علمه وتجاربه؟ أين الهيئات الصحية الأخرى والتي اكتفت بخطاب شكر خجول تشكر فيه الدكتور على إسهامه في الحد من بتر الأطراف. يظهر أحدهم في وسائل الإعلام وقد أنقذ غريقاً أو مصاباً فتنهال القصائد والحفلات وتكثر الهدايا والعطايا وهذا الشامخ بعلمه المتواضع بخلقه الذي ساهم بفضل الله في شفاء مئات الحالات والحد من بتر أطراف المئات وأدخل الفرح والسرور على قلوب الآلاف من الأبناء والبنات والأسر سيغادرنا قريباً إلى أرض الكنانة وكأن شيئاً لم يكن. هذا الدكتور لو قدر له أن يكون في ألمانيا أو أمريكا لنال أفضل الجوائز العلمية ولرشح لنيل أرفع الأوسمة والنياشين ولكن ساقته الأقدار وطلب الرزق الحلال إلى وزارة لا تعير أدنى الاهتمام للمتميزين والنابغين وذوي الخبرات المتمرسين ممن شابت ذقونهم في خدمة البشرية.