جريا على عادتنا السنوية في كل إجازة صيفية تشهد أوساطنا الاجتماعية هذه الأيام جملة من الاحتفالات المتنوعة والمختلفة منها ما يقام لها مناسبات اجتماعية ذات قيمة معنوية ومبررات مقبولة ولذلك نؤيدها وندعو لها ونشارك فيها مادامت مقننة ومعتدلة ووفق ما تقرّه تعاليم ديننا الحنيف وبما يؤصل للعادات الحميدة التي تدعو للتواصل والمشاركة والألفة بين أفراد المجتمع كمناسبات الزواج ونحوها . وكان من المفترض علينا كمجتمع مسلم ومحافظ وأصيل بمبادئه وقيمه النبيلة أن نلتزم في هذه المناسبات بالبعد عن المظاهر المنكرة والمزايدات الممقوتة التي تتنافى مع قيمنا الإسلامية ومع أعرافنا الأصيلة ولكن من المؤسف فقد تسربت لحفلاتنا وأفراحنا بعض من المنكرات المحرمة مع ما يخالطها من نتن المفاخرة القبلية والمزايدات الاجتماعية والعجب والخيلاء وهدر الأوقات والجهود إضافة لهدر المال الذي نعلم أن الدين والاقتراض من البنوك يمثل نسبته الكبرى . كما أنه قد كثر فيها البذخ و الإسراف إلى حد خطير جدا وهذا مخالف لشرعنا القويم فقد جعل الله سبحانه من صفات أهل الإيمان والاستقامة أنهم وسط في الإنفاق بين الإسراف والتقتير فقال " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " كما أنه سبحانه حذر من كفر النعم وتوعد من فعل ذلك بالوعيد الشديد إذ يقول تعالى " ولئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " . وعلى الرغم من تلك المخالفات والمبالغات إلا أن هذه الاحتفالات والمناسبات تظل في أصلها وغايتها في نطاق حدود تعاليم ديننا وتتفق مع قيمنا وعاداتنا . ولكن حين ننظر إلى الجانب الآخر نجد ما هو أسوأ مما سبق بكثير حيث ظهرت في السنوات الأخيرة احتفالات مستجدة بنكهة العولمة البائسة وبمناسبات مبتدعة بدأت تنتشر وتتزايد وتتوسع ولم نكن نسمع بها من قبل فهي ليست من تعاليم ديننا ولا هي من عاداتنا وإنما هي بدع ضالة وعادات دخيلة ليس لها وجه مقبول ولا مبرر محمود تهدر فيها الأوقات وتستهلك الجهود ويصرف عليها مبالغ ليست بالقليلة وتهان فيها النعم وكل ذلك تحت مسمى حفلة عيد الميلاد أو حفلة ذكرى الزواج وحفلة للوظيفة أو للترقية بل ذكرى السكن في المنزل بل وصل الحد للاحتفال ببزوغ أسنان الطفل في حين نجد اجتياحا واسعا لحفلات النجاح في المدرسة لمن كانوا في المرحلة الابتدائية ناهيك عن المراحل الدراسية الأعلى . حفلات .. وحفلات .. ليس لها لون ولا طعم ولا رائحة .. وأعياد أصلها البدع وفرعها في سماء المفاخرة و " الهياط الاجتماعي " الذي بعثر القيم وأشغل البصائر وجعل المهتمين به يسبحون في أحلام الزهو والخيلاء على حساب الموضوعية والاعتدال والخوف من الله – عز وجل – وكان من الواجب على من يحتفلون بهذه المناسبات أن يحذروا من هذه البدع فديننا الإسلام هو دين الكمال قال تعالى: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا . فقد أكمل الله لنا الدين بما شرع من الأوامر وما نهى عنه من النواهي فليس للناس اليوم حاجة إلى بدعة يبتدعها أحد لا في الاحتفال بالميلاد ولا الزواج وما شابهها. فكل ذلك لا أصل له ومنهي عنه لأنه يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وكل بدعة ضلالة ) . إننا اليوم نسمع ونشاهد الكثير من المآسي عن أحوال المسلمين وقضاياهم التي يعيشونها في أنحاء متفرقة من العالم من قتل وتشريد وكيد وظلم وإذلال واضطهاد وإن الإحساس بما هم فيه والشعور بمحنهم هو واجب تفرضه أخوّتهم لنا في الدين , قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " . وإن من المؤسف حقا أن ننغمس في ثنايا صوارف الحياة المعاصرة وحفلاتها وملهياتها وننسى أو نتناسى أن إخوان لنا يقاسون من أعدائهم الجحيم ونحن نتقلب في النعيم. إن ما تمرّ به أمتنا من محن وتضييق وما يعانيه المسلمون في كثير من البلدان من قتل واضطهاد وهوان سواء في بلاد الشام أو في بورما وغيرها من بلاد المسلمين قد بلغ مرحلة حساسة وخطيرة تجبرنا على الالتفات لهم والتضامن معهم الإحساس الصادق تجاههم ومناصرة قضاياهم فذلك مما أمرنا به ديننا وقامت عليه قيمنا الإسلامية في هذه البلاد المباركة التي تهوي إليها أفئدة المسلمين، والتي تمثل منارة الإسلام الأولى . إن انشغالنا بمصالحنا الخاصة وانغماسنا في أحداث حياتنا اليومية لا يعني أبداً أن ننصرف عن قضايا أمتنا وما تمرّ به من محن ولا عن الاستهداف البشع والتصفية الإجرامية التي تعصف بإخواننا المسلمين في الشام وغيرها من بلدان المسلمين من قِبل أعداء حاقدين لهم مخططاتهم الدينية والطائفية . " وكم هو مؤسف أن نجد من لا يشكر النعم ويخشى زوالها ومن يلهو في ملذات الدنيا ونسي أن أيامها دول والهروب والتغافل عن ذلك هو ما يسود عند الكثيرين منا وكما يحكى في أدب العرب قيل لأحدهم إن الحريق قد شبَّ في قريتكم قال : المهم أن لا يكون في بيتنا . فقيل له : إن الحريق في بيتكم . قال : المهم أنّني لست في البيت . ويظهر هذا المنطق لدى من ليس لهم هم سوى الخلاص الفردي والنجاة والفرار والتنصّل من الوقوف مع قضايا أمته والتعامل معها . إن علينا أن نتيقن بأن دين الله سيعلو ونوره سيملأ الآفاق " يرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰافِرونَ " وبالمقاييس المادية يظنّ الناظر إلى أحوال المسلمين أنها سوداء قاتمة وهي في موازين الإيمان مبشّرةٌ مُطمئنة فكلما اشتدّت المحن قرب انبلاج الفجر وتحقق النصر ولا يدري المسلم متى النصر إلا أننا نعلم أن الأصل في الإسلام العلوُّ والسيادة والتمكين فلا نستيئس من ضعف المسلمين حينا من الدهر لأن بالبشري تذيب كل يأس وتدفع كل قنوط وتثبت كل صاحب محنة وتريح قلب كل فاقد للأمل . " وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " عوض بن علي الوهابي