من الطبيعي أن يكبر المرء كل ما مضت به الأيام والسنون في كل جوانب حياتهلافي سِنِّه ، في جسمه ، في أخلاقه ، في سلوكه ، في طاعته ، في فكره ، في وعيه ، في تعاطيه للأمور ، في نظرته للكون والحياةلاومادام أن هذا المرء قد كبر فإنني أخاطب فيه هذا العقل الكبير. أقول : لاشك أنك كنت ياعزيزي في يومٍ من الأيام صغيراً ، كنت محتاجاً للآخر ، كنت تعيش مراحل لا أظنك تذكرها دون أن تقول ألا ليتها تعود ، كم كانت جميلة ، أوليس كذلك ؟ أسألك مالذي دعاك لمثل هذا القول ؟ لماذا تشتاق لأيام طفولتك رغم أن وضعك اليوم أفضل ؟ أولم تكن بلا مال ؟ أولم تكن بلامنصب ؟ أولم تكن بلا أبناء ؟ أظن أن الذي جعلك تتلهف لتلك الأيام مع قلة ذات يدك ومع حاجتك لغيرك ليس سوى أنك لم تكن تدرك الحقيقة حينها. حينما كنا صغاراً لم نكن نرى ظلماً يمارس مع وجوده لكن عقولنا لم تكن تدركه. لم نكن نؤمن بالحسد لقصور عقولنا عن الإيمان به مع أنه كان حاضراً. لم نكن نُحس بالشقاء في طلب الدنيا لأنه قد كفانا همها من نرجو لميتهم الجنة ولحيهم حسن الختام. لم نكن نعي مخاطر المرحلة رغم أنه يحاك لأمتنا منذ مؤتمر بازل 1897م. لم ندرك أن العلم هو سبب الرفعة لأننا كنا نذهب لمدارسنا كواجب نؤديه قبل ولانقدر نتائجه. لم نكن نحس بألم المخلصين من الكبار ، ولابمعاناة الصادقين من الكبار ، ولابمتعة علم الكبار حين ذاك. لأنه كان يجب علينا يومها أن نفعل فقط بينما كان كبارنا حين ذاك يعملون ويعلمون ولعقولنا يبنون ، كانوا يعانون كما نحن اليوم بل وأشد. لم نكن ندرك أن المادة هي من تجعل الحياة صراع لأننا لم نكن نملكها. لم نكن نرى الأشياء على حقيقتها. كنا صغاراً تقصر بنا الأفهام عن الحقيقة التي كانت منذ ذلك الحين وهي هي بل وأشد عليهم تنكيلاً. يقول أبوالعتاهية : بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني=فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ=نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً=كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً=فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ. وأنا أقول لكم أيها الأحبة : لنعمر الحاضر بالعلم والعمل لنبني المستقبل بالعلم والعمل لنعيش الحياة بلا ندم ولنعلم أن الزمان لايعود. دامت لكم الحياة جميلة كما كانت طفولتكم. سالم بن هويله القحطاني - باريس.