تلكم الأيام تبدو أياماً عزيزة علي، بل هي فعلاً أيام غالية، لن أنسى أبداً أول التئام للحيدر حضرته، كنا صغاراً، ولم نكن نعلم بعد حقيقة معنى هذا الاجتماع ومدى أهميته، ولكن كنا سعداء نلعب ونلهو مع أبناء العم، أذكر أنه في ذلك الحضور، أننا قررنا أن نلعب كرة القدم مع أبناء العمومة الحاضرين ممن كانوا في عمرنا، وأذكر أن هذا الاجتماع كان مقره مدينتنا العزيزة «ثادق».. (صنَّاعة)، قبل أكثر من 20 عاماً، وكان قرارنا هذا قراراً حكيماً في ما أظن. وكان من ضمن ماقمنا به حينذاك لعب كرة القدم، وأتذكر من خلال ذلك اللعب البريء، أننا كنا خلال لعبنا كرة القدم من غير أن ندري نبني العلاقات ونزرع المحبة ونذيب الجليد في ما بيننا، ولم نكن نعلم أن شيئاً بسيطاً مثل لعب الكرة، قد تولد منه المحبة، وتقرب ما بين المسافات، وتزيل الحواجز، فلعبنا لكرة القدم كان بمثابة المحادثة والتواصل، وكانت كرة القدم هي لغة المحادثة، هي ورمز التواصل، فمن خلالها تعرفنا على أسماء بعضنا البعض، ومن خلالها أنشأنا الرابطة من جديد، رابطة القرابة، ومن خلالها كذلك أزلنا الحواجز التي عادة تكون بين الغرباء، وأيضاً كرة القدم جعلتنا نشعر بقربنا لبعضنا البعض بصورة رائعة. كانت الكرة هي وسيلة التواصل والتخاطب من غير حروف مكتوبة أو كلمات منطوقة، تلك الدقائق التي قضيناها في ركل الكرة، والجري والركض كانت في حقيقتها مجلس تعارف أغنانا عن لقاءات عدة، كانت الكرة هي القاسم المشترك وكانت، ويا للعجب هي الرابط الذي جمعنا. عندما كنا صغاراً، كنا ننتظر ذلك الاجتماع ونتطلع إليه في شوق كبير، فهو بالنسبة لنا يعني مقابلة الأحبة وتجديد العلاقات، وهو يوم استثنائي بلا شك، فالكلمة الجميلة، والسلام الحار، والابتسامة التي تترسم على المحيّا عند لقاء الأعمام، وأبناء العمومة، كلها معانٍ لا تزال حاضرة. فالرجوع إلى القرية والأصل، وتذكر موطن الآباء والأجداد، كلها معانٍ عميقة تجعل الإنسان والمرء يشعر بالحنين والاشتياق لتلك الأماكن ولهذه المواطن فمن يدري، لو لم نقذف تلك الكرة عندئذ، ولو لم نركل تلك المدورة، ونجعلها لغة التخاطب، ما كنت أعتقد أننا كنا سنخرج أنا وأبناء عمي من ذلك اللقاء (لقاؤنا الأول) بتلك المعاني والذكريات الجميلة. [email protected]