أين نحن من هؤلاء؟ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين لقد رأينا في زمننا ضعف المبادئ وانتشار الكذب والنفاق الاجتماعي والإخلال بالعهود والمواثيق ، وتقديم الأعراف والعادات على الدين والقيم الإسلامية واختفاء كلمة الحق وكثرة ذوي الوجهين ، فقد تعلم البشر ولكن الجهل المطبق بين جوانح البعض ، لان العلم لم يحدث تأثير في الشخص ولم يؤثر في غيره فأنظر لمن حولك وترى صدق ما ذهبت إليه لان الحاكم هي العنصرية والعادة والعرف ،والشباب المتعلم المثقف في الطابور الخامس فهو حاملُ للعلم غير مؤثر لان اليد الواحدة لا تصفق نظراً لافتراق هذه الطبقة وقد اكون مخطئ ، فهذا رأيي والحكم للجميع . وأورد لكم هذه القصة المؤثرة في الوفاء والعدل والصدق وبذل المعروف والعفو عند المقدرة لنستنتج منها الدروس وتطبيقها على واقعنا ليتضح الفرق و الله المستعان. أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في المجلس وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه قال عمر: ما هذا قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا قتل أبانا قال: أقتلت أباهم ؟ قال: نعم قتلته ! قال : كيف قتلتَه ؟ قال : دخل بجمله في أرضي ، فزجرته ، فلم ينزجر، فأرسلت عليه حجراً ، وقع على رأسه فمات قال عمر : القصاص .... الإعدام ، قرار لم يكتب ... وحكم سديد لا يحتاج مناقشة ، لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل ، هل هو من قبيلة شريفة ؟ هل هو من أسرة قوية ؟ ما مركزه في المجتمع ؟ كل هذا لا يهم عمر - رضي الله عنه - قال الرجل : يا أمير المؤمنين : أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض أن تتركني ليلة ، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية ، فأُخبِرُهم بأنك سوف تقتلني ، ثم أعود إليك ، والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود إليَّ؟ فسكت الناس جميعا ً، إنهم لا يعرفون اسمه ، ولا خيمته ، ولا داره ولا قبيلته ولا منزله ، فكيف يكفلونه ، وهي كفالة ليست على عشرة دنانير، ولا على أرض ، ولا على ناقة ، إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف .. ونكّس عمر رأسه ، والتفت إلى الشابين : أتعفوان عنه ؟ قالا : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين... قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟!! فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته ،وزهده ، وصدقه ،وقال: يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله قال عمر : هو قَتْل ، قال : ولو كان قاتلا! قال: أتعرفه ؟ قال: ما أعرفه ، قال : كيف تكفله؟ قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين ، فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاءالله قال عمر : يا أبا ذرّ ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك! قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين .. فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه، ويُودع أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ،ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل ..... وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمرالموعد ، يَعُدّ الأيام عداً ، وفي العصرنادى في المدينة : الصلاة جامعة ، فجاء الشابان ، واجتمع الناس وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر ، قال عمر: أين الرجل ؟ قال : ما أدري يا أمير المؤمنين! وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها ، وسكتالصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله. وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر ،وكبّر المسلمونمعه فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك !! قال: يا أمير المؤمنين ، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى !! ها أنا يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ،وجئتُ لأُقتل.. وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس فسأل عمر بن الخطاب أبو ذر لماذا ضمنته؟؟؟ فقال أبو ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان؟ قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه.. وقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس ! قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته ..... جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما ، وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائك ... وجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين لعدلك و رحمتك.... فأين نحن من ركب هؤلاء العظماء والله المستعان وإن كان الخير باق إن شاء الله نسأل الله صلاح الحال والمآل.