في مثل هذا الفصل من كل عام يُحن لنا موعد مع ضيف غير مرحب به لا العذر يقبل ولا للضيافة يشكر ضيف سارق في موسم ثابت وزائر ثقيل في وقت غير مناسب يدخل بيوتنا دون استئذان ومن خلال منافذنا وثقوب أبوابنا ثم ما يلبث أن يدخل في عظامنا وأجسادنا. من مسامات أجسامنا ومن فتحات أنوفنا رغم أنوفنا . يهرب من برد الشتاء إلى مفاصلنا وحلوقنا وما هى إلا ساعات حتى يجعل أجسادنا تفور كالمراجل ينعم بالدفء وننعم بالبرد والحراره في نفس اللحظه ضيف الشتاء الثقيل :الحُمى: لايرضيها القليل ولا يثمر فيها الجميل ضحياها كثير أطفال وكهول وشعراء حيث يبدو أن مرض الحمى يعد من أكثر الأمراض التي يصاب بها الشعراء. إنهم بالتأكيد يصابون مثل جميع الناس بأمراض أخرى كذلك، ولكنهم أمام الحمى يجيدون التعبير عنها والكتابة فيها خلدوها في أشعارهم ووثقتها دواوينهم يقول المتنبي في ميميته الشهيرة، يصف الحُمى: وزائرتي كأن بها حياء = فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا = فعافتها.. وباتت في عظامي يضيق الجلد.. عن نفسي = وعنها فتوسعه بأنواع السقام إذا ما فارقتني.. غسّلتني = كأنا عاكفان على حرام كأن الصبح يطردها فتجري = مدامعها بأربعة سجام أراقب وقتها من غير شوق = مراقبة المشوق المستهام ويصدق وعدها.. والصدق شر = إذا ألقاك.. في الكرب العظام أبنت الدهر.. عندي كل بنتٍ = فكيف وصلت أنت.. من الزحام جرحت مجرحاً.. لم يبق فيه = مكان للسيوف.. ولا السهام وشاعر آخر اكتوى بنار الحُمّى وذاق عذاباتها رغم ملكه ومنزلته حتى أفصح لها عن رغبته في ان لا تعود إليه ثانية هذا الشاعر هو الملك عيسى بن عبدالملك العادل الأيوبي سلطان الشام، وكان أديباً وبارعا في الفقه والأدب، وقد مرض بالحُمَّى يقول: زارت محمصة الذنوب وودعت = تباً لها من زائر ومودع باتت معانقتي كأني حِبُّها =ومقيلها ومبيتها في أضلعي قالت وقد عزمت على ترحاله =ماذا تريد فقلت أن لا ترجعى و نجدفي هذا الشعر المحموم نَفَس من شعر المتنبي وروح من ألمه وبما إن للشعر الجيد ملهمات كثيرات لا تنحصر في الحب، والشوق، والبطولة، والنجاح، والفشل.. وغيرها. الحمى مثلا؛ من هذه الملهمات العجيبات، فهي التي رقصت على حناجر شعراء كُثر وبرزت في أثواب قشيبة من أبيات بليغة، فهذا خالد الفيصل الشاعر الحساس ومرهف الإحساس , يصف (مرض الزكام ) يقول: تجي على موعد ومن غير موعد جت =وأنا مادعاني للوصل شوق مشتاق تجيني متى شاءت لها كل وقت ووقت =تهز البدن والروح مادونها واقي وإذا ماهقيت اني من معاشرتها مت =تفهق واشوف انه بقى بالعمر باقي وفاها معي يذبح ورا ماتخون وخنت =أبا أسمح جَعَله اتلى مواعيد الاشواق أما الحال عندالشاعرالكبير أحمد على باكثير فهو لا يختلف، عن مواقف من سبقه ومن لحقه كخالد الفيصل من هذا الزائر المتكرر يقول باكثير في قصيده "دعيني أيها الحمى" أرى حولي أناسا ليس فيهم شعورٌ لا ولا لهمُ قلوبُ يرون المال أنفس كل شيء وفي الإحسان ليس لهم نصيبُ أصبحت لا أستطيع العير أركبه وقد أكون وعاتي الخيل مركوبى وأصبح المشي مطلوبي وكنت وما قوى المدافع إلا دون مطلوبي كأنما مسني عما بليت به سقم إبن متّى تلاه ضر أيوبى وغادريني طريحا في الفراش بأرض ما بها أبدا طبيبُ بأرض ترخص الأعمار فيها تهون إذا بقي المال الخطوبُ -خاتمة وروي عن رسول الله صلى الله عليه واله ....انه قال((لا تكرهوا اربعة فأنها لاربعة الزكام فأنه امان من الجذام ولا تكرهوا الزماميل فأنها امان من البرص ولا تكرهوا الرمد فأنه امان من العمى ولا تكرهوا السعال فأنه امان من الفالج ودمتم سالمين [email protected]