من يصدق أن أماً رؤوماً تفكر في «تنويم» أطفالها بعقاقير الزكام، لمجرد أنها لا تستطيع التغلب على عادة السهر؟ فلا تجد هذه الأم طريقة تساعدها في ضبط «الفوضى» وحالات «الشغب» في الليل البهيم في المنزل إلا جرعات من أدوية الزكام والسعال، التي «إذا لم تنفعهم فلن تضرهم» (بحسب قولها). ومن جهة أخرى، فإن السهر يكون من نصيب آخرين، ليس من أجل شقاوة الأطفال، ولا عقاقير ولا أدوية زكام تستطيع أن تخفف من وطأته أو تبرد من جحيمه، إنهم أولئك الذين يرافقون المرضى الذين يعانون من آلام تجعل ليلهم الأليل كما يقول المتنبي: «وزائرتي كأن بها حياءً/ فليس تزور إلا في الظلامِ. بذلت لها المطارف والحشايا/ فعافتها وباتت في عظامي». تلك هي حال فاطمة وهي ترافق والدتها التي تعاني من هشاشة العظام، ولا تستطيع أن تتحرك وحدها. تئن طوال الليل، فتلازمها ابنتها، ولا تكاد تغفو حتى يستدعيها صوتها الشاكي إليها، إما إجابة لنداء الطبيعة، أو لتغيير وضع الاستلقاء، وكأنما هي تتقلب على شوك، كما قال النابغة: «فبتّ كأن العائدات فرشن لي/ هراساً به يعلى فراشي ويُقشبُ».