وزائرتي كأنّ بها حياءً فليس تزور إلاّ في الظلام فرشت لها المطارف والحشايا فعافتها ونامت في عظامي تذكرتُ هذين البيتين من روائع الشعر لأبي الطيب المتنبي، وهو يغازل ضيفته، ثقيلة الظل المدعوّة (الحمّى)، وترتعد أوصاله من أعراضها المتناوبة، المتواصلة من ارتفاع درجة الحرارة، والقشعريرة، والإعياء الشديد. تذكرتُ ذلك قسرًا وأنا ألتحفُ غطاءً ثقيلاً متدثّرًا به من أعراض موسمية فصلية انتابتني فجأة، من نوبة برد هاجمت جهازي التنفسي، ونحن بالكاد فرحون مستبشرون بأحوال الجو الربيعي الذي نعيشه في بعض أرجاء الوطن، والمفترض أننا نعيش الشتاء ببرودته العالية، وصفير رياحه العاتية، فالحمد لله على كل حال، وهو الشافي المعافي. أمّا ماذا بعد تذكّر بيتي الشاعر العملاق، فقد تداعت المعاني في بالي، وتزاحمت الأفكار في ذهني، وأنا أسترجع لطائف بعض ما يدور على ألسنة العامة في فصل الشتاء من حكاوى قد لا تصل إلى درجة الشكاوى، ولكنها تعد موروثًا شعبيًّا لطيفًا ظريفًا، يكاد يصبح موروثًا فصليًّا لازمًا لمجتمعنا، يتراوح هذا الموروث الموسمي بين الأحاديث عن موجة الأنفلونزا، ونزلات البرد، وأمراض الجهاز التنفسي التي تهاجم بلا هوادة أجساد الصغار والكبار، وترديهم الفراش لا حول لهم ولا قوة، هذا غير أحاديث المجالس عن ارتفاع أسعار الملابس الشتوية وتصاعد أسعار الحطب لزوم التدفئة في المخيمات الشتوية التي تنتشر خارج مدننا الجميلة. هذا يكاد يكون معظم ما تتناوله مجالسنا الاجتماعية على مستوى الجلسات العائلية، أو جلسات الأصدقاء، والأحباب، أمّا على مستوى المجتمع ككل فحكاواه التراثية الشتوية تتراوح بين الخوف من الأمطار والسيول الجارفة، والاستعدادات والاحتياطات للطوارئ، أو انقطاع مسارات الأودية المحملة بالسيول، واحتجاز المواطنين في الشعاب والمفازات. وزاد على ما سبق من مواضيع الآن حرائق مدارس البنات من عابثات قد يطلبن الدفء، ولكن ينتهي العبث بمشكلات لا تحمد عقباها. قلت سبحان الله أمّا موروثنا المجتمعي في الصيف فتتراوح حكاوى مجالس الأهل، أو مجالس الأصدقاء فيه بين الحديث عن ارتفاع درجات الحرارة الملتهبة، والرطوبة العالية، وأمراض الصيف المعروفة كأمراض الجهاز الهضمي، أمّا حكاوى المجتمع، فتتراوح بين تزايد الاختناقات المرورية، وازدحام المطارات، وارتباك حجوزات الطيران، والأسعار الجنونية للشاليهات، والمصايف المحلية الساحلية منها، والجبلية، والمهرجانات الصيفية. وبين الشتاء والصيف، أو قل الصيف والشتاء تدور حكاوى أخرى مستمرة ليست حكرًا على فصل زمني معين، تتفاوت تلك بين العمالة الوافدة والبطالة الزائدة، والأفكار البائدة، والأجيال الواعدة، والمناهج التي تحتاج إلى تطوير، تلك الحكاوى تستمر، وتستمر حبيًّا ورسميًّا وإعلاميًّا، وتدور الليالي والأيام، وتحلو الحياة وتستمر، متمنين الخير والعافية والسلامة للجميع. رسالة: يقول أحسن الخالقين وأحكم الحاكمين في محكم التنزيل (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا).