في تصريح له حمل مهاجم الهلال ياسر القحطاني مؤخراً بشدة على بعض المحللين والنقاد الذين يتصدرون برامج القنوات الفضائية؛ لاسيما أولئك الذين يستسهلون إصدار المواقف، وإطلاق الأحكام بلا طرح متعمقٍ، ودون رؤية فاحصة، ولا دليل مقنع، معتبراً ذلك تبسيطاً وتسطيحاً للقضايا يصل في بعض الأحيان إلى حد «البجاحة»؛ خصوصاً إذا ما ترتب على ذلك ردود أفعال إعلامية أو جماهيرية تجاه اللاعبين. كلام ياسر وإن كان عنيفاً وغير مسبوق خصوصاً وأنه يصدر من لاعب، وليس إدارياً أو مدرباً، أو واحداً من أهل الصنعة، إلا أنه جاء ليصيب الهدف، فما ذهب إليه هو الحقيقة بعينها، بل إنني أراه وقد تحفظ كثيراً محترماً موقعيته كلاعب، ومتحسباً لردات الفعل الغاضبة؛ خصوصاً من أولئك الذين يحسبون كل صيحة عليهم، وإلا فإن الواقع يكشف تلك الحقيقة، بل ويشي بما هو أفظع منها. المتابع لواقع ما يجري في بعض استديوهات التحليل والبرامج الرياضية الخاصة بالمشهد الرياضي السعودي يأسى لما بلغت إليه الأمور من ضعف في المهنية، وإسفاف في الطرح، وتجاوز في القول، يبدأ بالسطحية في تناول الأمور، ولا ينتهي عند سوء الأدب وعدم مراعاة الذوق العام. في بعض برامج التحليل الخاصة بالمباريات يؤتى ببعض اللاعبين السابقين ممن لا يملكون شيئاً من أدوات التحليل، فلا مخزون معلوماتي، ولا ثراء معرفي، ولا مقاربات دقيقة، ولا توقعات منطقية، ولا استدلال عقلاني، ولا تحليل مقنع، ولا حتى لغة رصينة، فكل ما يملكه هذا المحلل من رصيد مجرد مسمى لاعب سابق. وفي البرامج الحوارية يزج ببعض النماذج الدخيلة على الإعلام، والطارئة عليه ممن ارتدوا ثياب الكتاب، وادعوا صفة النقاد، وهم لا يملكون من رصيد في الكتابة سوى بضع مقالات لا وزن لها في موازين النقد، ولا قيمة لها في سوق الكلمة، وحيث إن لا بضاعة جيدة يملكونها، فقد ظنوا أن التهريج نقد، والزعيق تحليل، وما كان لهم ذلك لولا أن أبواب الإعلام قد فتحت لهم، إما لرؤية ضيقة، أو لمصالح خاصة. ولا يلام ياسر القحطاني أو غيره أكانوا لاعبين أو متابعين حينما ينظرون بتهكم وازدراء للوسط الإعلامي، وقد زاد غثه على سمينه، وكثر زبده وقلّ صافيه، فذلك هو الواقع الذي يؤسف له، ولعل من تابع كثيراً من برامج التحليل الفني، والبرامج الحوارية في كأس آسيا الأخيرة التي استضافتها الدوحة يخرج بهذه القناعة، فعلى الرغم من كثرتها إلا أنها لم تكن سوى غثاء كغثاء السيل. هنا لا أحمل الدخلاء على شارع الإعلام، ولا ألوم المتطفلين على ساحة النقد، فحقهم أن يقتحموا بوابات الإعلام وقد وجدوها مشرعة على مصاريعها؛ إنما اللوم كل اللوم يقع على عاتق مسؤولي تلك القنوات الذين سعوا إلى البحث عن الإثارة الممجوجة، والتشابك الشوارعي، على حساب الطرح الراقي، والمطارحات النقدية، وهو ما تسبب ولا زال يتسبب في تلويث فضائنا الرياضي، وتسميم ذائقة المشاهدين، وستبقى الحال على ما هي عليه طالما أن بيننا من يتعاطى مع الإعلام الفضائي باستخفاف ودون أدنى مسؤولية؛ في وقت يجب إدراك حقيقة أنه أهم وأخطر وسيلة إعلامية وبلا منافس.