بعدما دخلت غمار مسابقة كرة القدم الأوليمبية للرجال وهي من بين البلدان المرشحة للفوز بإحدى الميداليات الثلاث، ها هي أسبانيا تودع لندن 2012 في مشهد محيِّر لم يكن يتوقعه حتى أشد المتشائمين في المملكة الأيبيرية. حيث خرجت كتيبة لويس ميا بسجل هزيل لم يكن يخطر على بال أحد قبل بداية المنافسات. ففي المجموعة الرابعة، حيث واجهت اليابان وهندوراس والمغرب، اكتفى الأسبان بنقطة يتيمة من هزيمتين وتعادل بطعم الخسارة أمام أشبال الأطلس، ودون تسجيل أي هدف يُذكر. وفور انتهاء المباراة الثالثة والأخيرة أمام وصيف بطل أفريقيا، قال جوردي ألبا، الظهير الأيسر الذي انضم إلى المنتخب الأوليمبي بعد تتويجه بكأس الأمم الأوروبية مع كتيبة الكبار مطلع هذا الصيف، إن ما حصل في العاصمة البريطانية "أمر لا يمكن تفسيره"، بينما أكد زميله خوان ماتا، الذي كان قد شاركه الإحتفال باللقب القاري في أوكرانيا وبولندا، أن هذا الخروج المذل "يبعث على كثير من الإحباط". وأوضح نجم تشيلسي الإنجليزي بعد التعادل مع المغرب: "كنا نعرف أن نتيجة هذه المباراة لن تغير في الأمر شيئاً، لكن الفريق حاول الفوز جاهداً. لقد أتيحت لنا فرص عديدة من أجل التهديف، لكن الكرة أبت أن تعبر خط المرمى. وفي كرة القدم، إذا لم تترجم الفرص السانحة، فإنه من الصعب عليك المضي قدماً". ولغرابة الصدف، تشير الإحصائيات إلى أن منتخب أسبانيا هو الفريق الوحيد الذي لم يتمكن من زيارة الشباك في هذه البطولة الأولمبية على صعيد الرجال، علماً أن الأمر يتعلق ببلد أتى على الأخضر واليابس في ملاعب الساحرة المستديرة على مدى السنوات الأخيرة، بل وإن منتخبه الأول نجح في التربع على عرش القارة العجوز منتصراً برباعية نظيفة على العملاق الإيطالي في المباراة النهائية. وعلل ماتا هذه الحصيلة المخيبة في لندن 2012 بإلقاء اللوم على "سوء الحظ"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "عدم التركيز في اللمسة الأخيرة" كسبب من أسباب هذا الفشل. ومن جهته، قال ألبا "إنها أمور تحصل في عالم كرة القدم. فأحياناً تسدد مرتين نحو المرمى وتصيب الهدف مرتين، بينما قد تصوب ثماني مرات في مباراة أخرى ولا تسجل أي هدف. لقد ظهر الفريق بوجه جيد واستحق الفوز بكل جدارة في المباراتين الأخيرتين. أنا عاجز عن إيجاد أي تفسير لما وقع، فالخروج من البطولة برصيد خالٍ من الأهداف أمر غريب يصعب استيعابه، ولا سيما بالنظر إلى الكم الهائل من الفرص الواضحة التي أتيحت لنا". امتعاض وحسرة يؤكد اللاعبون الأسبان أنهم عائدون إلى الديار بضمير مرتاح، لأنهم قدموا كل ما في جعبتهم من طاقات ومؤهلات على أرضية الميدان، إذ لم يدخروا أي جهد في سبيل تحقيق نتيجة إيجابية. وقال ماتا في هذا الصدد: "صحيح أننا لم نسجل أي هدف ولم نفز في أية مباراة خلال هذه الألعاب الأوليمبية، لكن لاعبي هذا الفريق فخورون بأنفسهم وقد بذلوا كل ما يملكون من جهود حتى الرمق الأخير، بل وحتى بعدما أدركنا أن مباراة المغرب لم تكن لتغير في الواقع شيئاً. ومع ذلك، فقد كافحنا حتى صافرة نهاية كل مباراة من المباريات الثلاث". ومن جهته، لم يستطع جوردي ألبا إخفاء مشاعر الحسرة التي لازمته بعد الخروج المذل، حيث قال لاعب برشلونة الجديد، الذي سينضم إلى رفاقه في النادي الكاتالوني فور وصوله إلى أسبانيا: "من الطبيعي أن نشعر بالإمتعاض. لقد كانت صفعة موجعة، خاصة وأننا كنا نملك فريقاً قوياً دخل بطموح كبير من أجل تحقيق إنجاز للذكرى. تنتابنا حسرة كبيرة بعد فشلنا في الذهاب بعيداً في هذه البطولة". وأكد ماتا، بدوره، أن "مظاهر الخيبة تعم بشكل واضح في صفوف الفريق، بعدما أتينا إلى هنا برغبة جامحة في تحقيق إنجاز كبير، لكننا وجدنا أنفسنا خارج السباق منذ المباراة الثانية. إنه أمر يبعث على الإمتعاض كذلك". تجربة مفيدة للمستقبل في هذه اللحظات العسيرة، حاول نجم تشيلسي استنباط الدروس المفيدة من المغامرة الأوليمبية الفاشلة، حيث قال هذا اللاعب المتوج باللقب العالمي في جنوب أفريقيا 2010 "إن على المرء أن يتعلم من الهزائم كذلك، إذ يجب استخلاص العبر الإيجابية والإستفادة منها في المستقبل. سوف تفيدنا هذه التجربة المخيبة في مسيراتنا الكروية ويجب أن نستغلها من أجل بلوغ النضج كما يتعين علينا أن نعرف أن الحياة لا تخبئ لنا دائماً الأخبار السارة." وتابع المهاجم الأسباني: "سوف نستوعب أننا لن نتمكن من الفوز دائماً، بعدما تعودنا على التتويج بجميع الألقاب الممكنة خلال السنوات الأخيرة بفضل المستوى الباهر الذي بلغه المنتخب الأسباني. إن حالات مثل هذه تساعدك على تقييم مدى صعوبة الفوز". كما يُدرك ماتا أهمية طي صفحة لندن 2012 والتركيز على المستقبل، حيث ختم حديثه بالقول: "من الطبيعي أن نشعر الآن بالإحباط والألم، لكن هذه الأحاسيس ستنقضي مع مرور الوقت. تنتظرنا تحديات جديدة وسوف نستفيد من هذه التجربة. إنه تعثر يجب أن نستغله من أجل المضي قدماً".