تتفاعل إشكالية تعامل بعض الدول والجهات الأمنية الأوروبية مع المعتقلات والسجون والرحلات السرية التي أشرفت عليها وأدارتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في القارة خلال السنوات الأخيرة إذ عادت لتطفو على السطح مجددا عبر عناصر مثيرة وإضافية. وكشف المدعي العام السويسري ديك مارتي والمكلف من قبل مجلس أوروبا بمتابعة حيثيات التحقيق في هذه المسألة الأمنية والسياسية الخطيرة عن عناصر إضافية اليوم أمام المجلس وذلك في تقرير جزئي جديد وهو الثاني من نوعه حيث يتوقع ان يتم بحثه بشكل رسمي يوم 27 يونيو الجاري في جلسة علنية. وخلافا للتقرير الذي صاغه نفس المدعي العام، نهاية السنة الماضية ونشره بداية السنة الجارية والذي تمخض عن قناعات بوجود أنشطة سرية أجنبية في القارة الأوروبية ولكن دون وجود أدلة قاطعة فان التقرير الجديد أكد على وجود العديد من المؤشرات الكافية للجزم بان الأجهزة الأمنية الأمريكية أقامت وأدارت خلال الفترة من عام 2003م الى عام 2005م سجونا ومعتقلات سرية خارج إطار دولة القانون في كل من رومانيا وبولندا على الأقل وان كبار المسئولين في الدولتين كانوا على علم بذلك. وقال المدعي السويسري أمام المجلس الأوروبي إن المصادر الخاصة سواء من الأجهزة الأمنية الأمريكية نفسها أو الأجهزة الأمنية والدول الأوروبية المعنية أكدت بشكل واضح أن كل من رومانيا وبولندا احتضنتا مراكز اعتقال سرية تابعة للأجهزة الأمنية الأمريكية كنتيجة لمعطيات هجمات 11 سبتمبر وإدارة أزمة الإرهاب. وقال المقرر السويسري لمجلس أوروبا إن حركة الطيران المدني وتنقل الطائرات ومعطيات الملاحة الجوية تصب في نفس الاتجاه. وأوضح ان الرئيس البولندي السابق الكسندر كفاسنيفسكي والرئيس الروماني السابق ايون اليسكو وافقا بشكل رسمي على الأنشطة السرية الأمريكية في بلديهما. ولم تعلق المفوضية الأوروبية في بروكسل رسميا على هذه التطورات الخطيرة الجديدة في ملف التجاوزات المسجلة في أوروبا في إطار ما يعرف بإدارة أزمة الإرهاب والعنف السياسي. وكان فرانكو فراتيني عضو الجهاز التنفيذي الأوروبي المكلف بشؤون العدل والقضاء لوح رسميا انه سيتم إعادة النظر في عضوية أية دولة أوروبية للاتحاد في حالة ثبوت تورطها المباشر في أنشطة أجهزة أمنية أجنبية. وطالب البرلمان الأوروبي في وقت سابق من العام الحالي باتخاذ إجراءات صارمة لمعاقبة المتورطين في مثل هذه التجاوزات من جهة ووضع إطار قانوني وتشريعي ملزم لمثل هذه الحالات وتجنب تكررها. ولكن الحكومات الأوروبية ترى ان مسائل التعامل الأمني فيما بينها او مع جهات أجنبية هي من صلاحيات السيادة الوطنية. وقال مقرر مجلس أوروبا في تقريره الجديد ان الأجهزة الأمنية الأمريكية تمكنت من نشر عناصر تابعة لها داخل رومانيا مثلا والعمل بحرية مطلقة لاعتقال واستجواب المحتجزين وخارج أي تدخل من سلطات بوخارست أو رقابة معينة. وكشف المحقق السويسري على صعيد آخر جانبا جديدا وخطيرا من إشكالية السجون والمعتقلات والرحلات السرية الأمريكية في أوروبا. وقال ان مجمل الدول الأوروبية أبدت تعاونا تاما مع الأجهزة الأمريكية بعد تسجيل اتفاق سري محدد في هذا الإطار داخل خلف الناتو. وبين ان الاتفاق تم توقيعه بين الدول الأوربية والولاياتالمتحدة يوم 4 أكتوبر 2001م بعد ثلاث أسابيع فقط من تسجيل هجمات 11 سبتمبر. وأوضح ان الاتفاق تم استعماله كأرضية ومرجع لتوقيع اتفاقيات ثنائية بين الولاياتالمتحدة والحكومات الأوروبية بشكل غير معلن. وتتضمن هذه الاتفاقيات تراخيص لتنظيم رحلات جوية سرية وتقديم مساعدات أخرى في مجال التصدي للإرهاب. ورفض حلف الناتو التعليق على تقرير المدعي السويسري وهو الثاني من نوعه إذ يتوقع أن يحدث مزيدا من الجدل الأمني والسياسي داخل التكتل الأوروبي. // انتهى // 1628 ت م