انطلقت اليوم في العاصمة المغربية الرباط أعمال الندوة العلمية الرابعة "العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية" التي تنظمها جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالتعاون مع رئاسة النيابة العامة المغربية وبدعم من منظمة الأممالمتحدة للطفولة "اليونيسيف" بحضور أكثر من 140 متخصصًا في مجالات القضاء والعدالة والأجهزة الشرطية بالدول العربية. وأوضح رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الدكتور عبدالمجيد بن عبدالله البنيان في الجلسة الافتتاحية أن الندوة تهدف إلى تسليط الضوء على بدائل العقوبات والتدابير السالبة للحرية في التشريعات العربية وغير العربية من حيث التقنين والتطبيق، وكذلك إبراز طبيعة تعاطي الأجهزة القضائية مع ما تتيحه المنظومات القانونية من العقوبات البديلة التي تخوّل الاستغناء عن التدابير السالبة للحرية. وأبان أن الندوة ستركز على بيان سبل تعزيز جهود مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى إلى توسيع نطاق تطبيق العقوبات البديلة وتحديث الترسانة التشريعية ذات الصلة لغاية تجديد آليات العدالة الجنائية العقابية في الدول العربية. وأكد أن جامعة نايف أولت اهتماما بالغا بموضوع اعتماد العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية كوسيلة لتطوير أداء العدالة الجنائية بالدول العربية، إذ ترجمت ذلك بتنظيم العديد من المؤتمرات والندوات العلمية وإنجاز الدراسات العلمية المحكّمة وأوراق السياسات ذات الصلة. وفي معرض حديثه عن الخطة الاستراتيجية للجامعة 2019 – 2023، أكد البنيان أن الجامعة أطلقت مجموعة من البرامج الأكاديمية لخدمة الأجهزة الأمنية والعدلية في مجالات القانون الجنائي والعلوم الجنائية وعلم الجريمة والجرائم السيبرانية والتحقيق الرقمي والأدلة الجنائية و النزاهة المالية. بدوره قال وزير العدل بالمملكة المغربية عبداللطيف وهبي: "إن الاقتناع أصبح راسخا منذ ما يقارب عقدين من الزمن من خلال التشخيصات التي أجريت على منظومة العدالة بالمغرب في مناسبات متعددة, وأن الوضع العقابي القائم أصبح بحاجة ماسة لاعتماد نظام العقوبات البديلة، خاصة في ظل المؤشرات والمعطيات المسجلة على مستوى الساكنة السجنية في المغرب التي تفيد أن ما يفوق 40% من السجناء محكومون بمدة تقل عن سنتين. وأشار إلى أن العقوبات الصادرة بسنتين وأقل بلغت في المغرب نسبة 44.97% حسب الإحصائيات المسجلة سنة 2020 وهو ما يؤثر سلبا على الوضعية داخل المؤسسات السجنية ويحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة العقابية في تنفيذ برامج الإدماج وإعادة التأهيل وترشيد تكلفة الايواء، لاسيما وأن الممارسات أبانت عن قصور العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في تحقيق الردع المطلوب والحد من حالات العود إلى الجريمة. وبين وزير العدل بالمملكة المغربية أن مشروع قانون خاص بالعقوبات البديلة يجمع الأحكام القانونية الموضوعية والإجرائية معا إلى جانب الأحكام التنظيمية، قد تمت إحالته إلى الأمانة العامة للحكومة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمؤسسات الحكومية والقضائية والأمنية والهيئات المعنية كافة، بهدف التدارس وإبداء الرأي. وأضاف أن المشروع نص على خيارات متعددة للعقوبات البديلة ما بين العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية والغرامة اليومية وتدابير علاجية وتأهيلية أخرى لتقييد ممارسة بعض الحقوق بما يتماشى وخصوصية المجتمع المغربي، وفق ضوابط قانونية محددة تراعى من جهة السلطة التقديرية للقاضي في اعتمادها والإشراف على تنفيذها باستثناء بعض الجنح الخطيرة. من جهته قال الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة في المملكة المغربية مولاي الحسن الداكي: "إن العقوبات السالبة للحرية وإن كانت تعرف انتشارا عالميا كجزاء تقره القوانين لتحقيق الردع العام والخاص، إلا أن الدراسات والتقارير الدولية الصادرة عن الهيئات الأممية كمكتب الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، واللجنة الدولية للعدالة الجنائية والوقاية من الجريمة تؤكد أنه على مستوى الممارسة فإن اللجوء العام إلى عقوبة السجن يتصاعد، دون إمكانية البرهنة على أن ذلك ينتج عنه تحسن في مؤشرات الأمن والسكينة العامة. وأضاف: "إذا كانت آثار السجن عموما وخيمة وتغرق الدول والأفراد في أ عباء مختلفة منها ما هو مادي واقتصادي، ومنها ما هو اجتماعي وأسري، فإن هذه الآثار تكون أكثر شدة إذا انصب سلب الحرية على طفل متورط في ارتكاب جرم، فإصلاح الأحداث ورعاية مصلحتهم الفضلى يقتضي أن يكون تدبير الاعتقال أبعد ما أمكن عن عدالة الأحداث. وأكد أن بدائل الاعتقال الاحتياطي والتدابير البديلة للعقوبات السالبة للحرية تشهد مكانة متميزة في تنفيذ السياسة الجنائية المعاصرة، خاصة وأنها أصبحت محل توافق حقوقي دولي ومطلب قضائي عملي، من شأن إدراجها في التشريعات الوطنية وتفعيلها على الوجه المطلوب أن يسهم في تخفيف وطئ العقوبات الحبسية قصيرة المدة واثارها السلبية، لا سيما تلك المرتبطة بتفاقم مشكلة الاكتظاظ السجني الذي أضحى ظاهرة عامة تشهدها العديد من النظم العقابية. وأشار إلى أن حتمية هذا النقاش تزداد عندما يتعلق الأمر بأحداث دون سن المسؤولية، حيث تقضي فلسفة عدالة الأحداث اعتبار جميع الأطفال في تماس مع القانون، سواء كانوا ضحايا أو جانحين أو في وضعية صعبة أطفالاً محتاجين للحماية، وهم على اختلاف أوضاعهم يعتبرون ضحايا عوامل وظروف شخصية واجتماعية ساقتهم إلى التماس مع القانون، وينبغي لآليات العدالة أن تتقصى مصلحتهم الفضلى عند اختيار التدبير الأنسب لهم. وبين رئيس النيابة العامة في المملكة المغربية أن الإيداع بالمؤسسات وسلب الحرية يجب أن يكون آخر ملاذ يتم اللجوء إليه، وعلى نظم العدالة توخي أنجع السبل لتكييف الإجراء القانوني مع الظروف الخاصة للطفل، والحرص أولا وأخيراً على إبقائه في كنف أسرته ووسطه الطبيعي, مؤكدا أن "خيار البدائل بالنسبة للأطفال أكثر إلحاحاً إذ يضعنا أمام رهان تحقيق المصلحة والإصلاح والتأهيل والإدماج دون اللجوء إلى سلب الحرية، وذلك باعتماد آليات معترف بها دولياً كالعدالة التصالحية ونظام تحويل العقوبة وبدائل أخرى أثبتت فعاليتها كالعمل لفائدة المنفعة العامة أو التدابير الرقابية الخاصة بالأحداث. بدورها قالت ممثلة اليونيسيف بالمملكة المغربية السفيرة الدكتورة سبيسيوز هاكيزيمانا ندابيهور: "إن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ إجراءات لا تسلب الحريات من الأطفال، وتقوية نظام التعاون في استخدام البدائل التي تحافظ على حقوق الأطفال وتحميهم وتخفف من الآثار السلبية عليهم. وأشارت إلى أنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هناك 18 مليون طفل في السجون وأن هذه الإحصائية لا تغطي إلا 49% من الساكنة إذ أن حقيقة الأطفال في السجون هو أكثر من هذا العدد وهو ما يستعدي وجود نظام لتجميع البيانات يسهل الوصول إليه لتبني استراتيجية واضحة لتعزيز حقوق الطفل. من جانبه استعرض مدير مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي الدكتور حاتم علي التعاون الشراكة الاستراتيجية بين جامعة نايف بحسبانها الذراع العلمية لمجلس وزراء الداخلية العرب، ومكتب الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات بحسبانه الأمانة العامة والفنية لكافة المعايير الدولية لمنع الجريمة والعدالة الجنائية وسعيهما المشترك لتحفيز إنشاء فرق الجزاء العربية المتخصصة ورعايتها لوضع معايير عربية متطورة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية بما يتضمن بدائل وتدابير العقوبات السالبة للحرية. وتم في الجلسة الافتتاحية للندوة تقديم عرض مرئي عن الجامعة يتناول مسيرتها وإسهاماتها في الدراسات الأمنية. ويشارك في الندوة التي تستمر لثلاثة أيام خبراء من 12 دولة عربية منها المملكة و (عُمان، البحرين، الكويت، الأردن، لبنان، فلسطين، مصر، السودان، موريتانيا، المغرب وتونس)، إضافة إلى قضاة ومختصين من فرنسا، حيث يستعرضون التجارب العربية في مجال تطبيق العقوبات البديلة، والتطلعات المستقبلية لتهيئة البيئة التشريعية الملائمة. كما يستعرضون تجارب بعض الدول العربية في هذا الاتجاه حيث سيتم عرض تجربة البحرين في وضع وتطبيق قانون العقوبات والتدابير، التجربة الأردنية "الإطار القانوني للعقوبات البديلة في التشريع الأردني"، "العقوبات البديلة في المنظومة التشريعية التونسية"، بجانب "العقوبات البديلة في التشريع العماني"، و"بدائل العقوبات السالبة للحرية بالنسبة للأحداث في الممارسة القضائية المغربية. وتهدف الندوة العلمية إلى تعزيز قدرات القضاة والنيابة العامة، حول الممارسة الحسنة في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية، لأجل التخفيف من حالات الاعتقال الاحتياطي، وتطوير أداء منظومة العدالة الجنائية الوطنية، كما تعمل على بيان مكانة بدائل العقوبات السالبة للحرية في منظور القانون الجنائي المقارن والعلوم الإنسانية ذات الصلة وكذلك توضيح الممارسات الحسنة في مجال إعمال العقوبات السالبة للحرية في قوانين الدول العربية مع تقديم مقترحات لتطوير وتنظيم بدائل العقوبات السالبة للحرية في قوانين ومؤسسات العدالة الجنائية. وتم في الجلسة الافتتاحية للندوة تقديم عرض مرئي عن الجامعة يتناول مسيرتها وإسهاماتها في الدراسات الأمنية ومن ثم بدء أعمال جلسات العمل، إذ تضمنت الجلسة الأولى التي رأسها الدكتور هشام البلاوي وحملت موضوع "بدائل العقوبات والتدابير السالبة للحرية في التشريعات العربية بين التقنين والتطبيق" ورقة عمل لرئيس النيابة العامة بالمملكة الأردنية الهاشمية للقاضي الدكتور يوسف ذيابات حول "الإطار القانوني للعقوبات البديلة في التشريع الأردني"، وورقة عمل للنائب العام في مملكة البحرين الدكتور علي بن فضل البوعينين حول "تجربة البحرين في وضع تطبيق قانون العقوبات والتدابير". كما تناول الجلسة الثانية وموضوعها "بدائل العقوبات والتدابير السالبة للحرية من منظور القانون الجنائي المقارن والعلوم الإنسانية ذات العلاقة" أوراق عمل لمساعد المدعي العام في سلطنة عمان الدكتور راشد الكعبي حول "العقوبات البديلة في التشريع العماني" ولوكيل الشؤون القضائية في وزارة العدل في المملكة العربية السعودية الدكتور سلمان الفوزان حول "بدائل العقوبات السالبة للحرية من منظر القانون الجنائي المقارن" ، ولرئيس الهيئة العامة للسجون في الجمهورية التونسية العميد الشريف السنوسي حول "العقوبات البديلة في المنظومة التشريعية التونسية". كما تضمنت الجلسة ورقة عمل لمدير مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي الدكتور حاتم علي حول "الإطار القانوني والمعياري الدولي لاستخدام التدابير والجزاءات غير الاحتجاجية ووضعها في سياقها في المنطقة العربية"، وأخرى للمستشار في النيابة العامة بمملكة البحرين الدكتور علي الشويخ حول "بدائل العقوبات والتدابير السالبة للحرية في التشريعات العربية بين التقنين والتطبيق (تجربة مملكة البحرين). وتضمنت الجلسة الثالثة أوراق عمل حول التجربة الفرنسية للعقوبات البديلة: التعديلات الأولية من قبل قاضي إصدار الحكم للقاضي الفرنسي ديفيد سنت، ونماذج عربية في تجربة العقوبات والتدابير غير السالبة للحرية لنائب المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال افريقيا المنظمة الدولية هيثم صلاح الدين شلبي. فيما تستأنف الجلسات يوم الأربعاء بأوراق عمل أخرى يشارك فيها خبراء وباحثين مختصين عرب ومن دول ومنظمات عالمية.