تعتبر الاستديوهات التحليلية منبرا مفتوحا للعديد من المحللين والنقاد الرياضيين من أجل طرح رؤاهم الفنية الدقيقة لأي مباراة، بل إن تواصلهم مع المشاهد أو المتلقي يمنحهم نوعا من الثقة الكبيرة. ومع تسارع الأحداث الرياضية وتداخلها أحيانا، فإن مسؤولي القنوات يتسابقون سباقا حثيثا خارج المستطيل الأخضر لاستقطاب كوكبة من المهتمين في هذا المجال، لدرجة أنهم يرصدون مبالغ ضخمة ربما تصل إلى أرقام فلكية للظفر بهم، إضافة إلى سعيهم الجاد لإيجاد استديو خاص ومتكامل بمواصفات عالمية يكشف بدقة عن وجه القناة وتوجهاتها لإرضاء المشاهدين. «شمس» فتحت هذا الملف، في محاولة منها للوقوف على ماهية الاستديوهات التحليلية ودورها في صناعة الحدث، وقدرتها في الوصول إلى ذوق المشاهد بشتى أقطاب العالم، ومعرفة ما لها وما عليها. وهل تحقق الفائدة الفنية المرجوة منها أم لا؟ في البداية تحدث رئيس نادي الاتفاق عبدالعزيز الدوسري وقال إن خبرة المدربين واللاعبين وكذلك كتاب الرأي العام، الذين يتميزون بطرح مخالف للرأي السائد، ومن يبحثون عن الإثارة الإعلامية هم من يجبرون القنوات الرياضية على الاستعانة بخدماتهم كمحللين ونقاد في الاستديوهات التحليلية: «أعتقد أن العلاقات الشخصية قد تكون لها نسبة ضئيلة في اختيارهم؛ لأن الكفاءة في النهاية هي من ستفرض وجودهم». وأشار إلى أن بعضاً من هؤلاء النقاد والمحللين تتوافر فيهم الشروط الفنية المطلوبة، بل إنهم قادرون على القيام بواجباتهم: «إنها تعتمد على الأسلوب المقنن للطرح لأي شخص، وتعكس شخصيته وقوته، بينما نجد آخرين من الممكن أن يطرحوا رأيا ولكنهم ليسوا مقنعين في النهاية». وأبدى الدوسري حياديته في مسألة استفادة المدربين واللاعبين مما يقوله هؤلاء النقاد والمحللون من آراء فنية: «ليس لدي فكرة تامة عما إذا كان مدرب أو لاعب ما متابعا جيدا لهذا أو ذاك، وفي اعتقادي ربما نجد أن نقادا ومحللين يجبرون المدربين واللاعبين على المتابعة والتسمر أمام الشاشة أحيانا لسماع النصح والانتقاد الهادف البناء حتى يستفيدوا من خبرتهم». الانصاف والعدل وبدوره أوضح مدير الكرة بفريق النهضة الأول لكرة القدم فؤاد السليم أن معايير اختيار الضيوف كنقاد ومحللين في الاستديوهات التحليلية تقف على مبدأ الانصاف والعدل والبعد عن الميول والأهواء الشخصية: «لا بد أن يتم اختيار لاعب سابق له خلفية ودراية فنية بالدرجة الأولى، وأن يكون ملما بالفريق وبنتائجه ولاعبيه وأن يكون تحليله منصفا ويتم اختيارهم في النهاية بشكل صحيح، أما بخصوص ما إذا كان للعلاقات الشخصية دور في اختيارهم، فلن أستطيع التأكيد أو النفي، ولكن يبقى الأفضل هو من سيحدد توجه القناة». وأكد أنه ليس بالضرورة أن يكون المحلل أو الناقد مقنعا للجماهير؛ لأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية: «من الممكن أن يستهويني محللون في أكثر من قناة وربما العكس ». وشدد على أن المدرب أو اللاعب من الممكن أن يأخذ برأي المحلل والناقد أو العكس تماما وأبدى ارتياحه لواقعية بعض المحللين والنقاد، حيث اعتبرهم الأبرز والأفضل مثل خالد الشنيف وعادل البطي، وما يمتلكانه من فكر عالٍ وأسلوب متميز. خطأ فادح أما وليد العكروش، مشرف موقع رياضي، فأوضح أن اختيار الضيوف والنقاد والمحللين في الاستديو التحليلي يختلف حسب توجهات القناة: «هناك قنوات معاييرها عادة ما تكون مبنية على الخبرة الكافية والتمرس والقراءة الذهنية والصيت، بغض النظر عن موافقة القناة في توجهها من عدمه، بينما هناك قنوات تسير على سياسة شراء الأهواء». وشدد على أن أغلب القنوات الرياضية تشترك في مسألة دور العلاقات الشخصية في اختيار الضيوف، مبديا عدم ممانعته في ذلك متى ما توافرت المتطلبات في الشخص المختار، مبينا أنه يجب اختيار المحلل الذي يبحث عن مصلحة المشاهد وذوقه: «قلة من المحللين يقومون بواجبات التحليل ومتطلباته بأحسن ما يكون، بل بعضهم يجبر المشاهد على التسمر أمام شاشة التليفزيون مستمتعاً لأوقات طويلة». وقال إن هناك مدربين ولاعبين استفادوا من آراء هؤلاء النقاد والمحللين: «ربما تعصف بعض آراء الآخرين منهم بمسيرة لاعب أو مدرب.. وهذا خطأ فادح، ذوو الخبرة في نفس المجال الرياضي مؤهلون غالبا لانتقاد اللاعب أو المدرب، ولكن عندما يأتي شخص يحمل شهادة دكتوراه في طب الأسنان مثلا ويبدأ في توبيخ مدرب ما، فهنا سيكون منظره مثارا لسخرية المشاهد والموبخ معا». العلاقات الشخصية ومن جانب آخر أوضح فهد الدايل، مشرف منتديات كورة سعودية، أنه لا بد أن يكون للنقاد والمحليين خبرة في مجال عملهم قبل أن تكون لديهم خلفية رياضية: «قد تكون لدى البعض معلومات رياضية ممتازة، لكنه لا يستطيع توصيل المعلومة للمشاهد، فضلا عن أنه لا بد أن يكون محايدا وألا ينجاز إلى ناد معين بعينه». وشدد على أن العلاقات الشخصية تلعب دورا كبيرا في اختيار المحليين والنقاد: «إنه أمر مفروغ منه وهذا واضح للجميع، لكن لا يهم إذا كان المحلل يجيد عمله على أكمل وجه». وطالب القنوات الرياضية بالاختيار الجيد لمن يسهم بدرجة كبيرة في إيصال المعلومة الصحيحة للمشاهد وتقديم الفائدة المرجوة: «إذا توافرت في الشخصيات الرياضية المختارة لإدارة دفة الاستديو الشروط الكاملة لهذا الغرض؛ فبالتأكيد سيكونون مقنعين للجمهور». وبخصوص ما إذا كان المدربون واللاعبون يستفيدون مما يقوله هؤلاء النقاد والمحللون من آراء فنية: «هي تعتمد في الأساس على المدرب أو اللاعب، فبعضهم يتابع ما يقال عنه ويستفيد منه وطرف آخر لا يهمه ذلك، ولكن عموما هي تحقق الفائدة إن كان المحلل جيدا ومؤهلا، وأعتقد أن من يمتلك الجرأة والخبرة الكافية فسيكون له الحق في النقد بعيدا عن التجريح». عشوائية الاختيار أما فيصل المطيري فقال إن اختيار الضيوف والنقاد والمحللين في الاستديو يختلف حسب توجه بعض القنوات الرياضية: «فمنهم من يختار الأسماء المتزنة نظير خبرتهم في المجال الرياضي، والبعض الآخر يتم اختيارهم حسب الميول، وأصبحنا نشاهد تفاوتا كبيرا بين الاستديوهات التحليلية بالقنوات الرياضية، وذلك نابع من العشوائية والمجاملة في الاختيار». وأكد أن للعلاقات الشخصية دورا مهما في اختيار الضيف: «أصبحنا نشاهد محللين لا يفقهون شيئا في كرة القدم، وأعتقد أن الميول والتعصب دفعاهم بقوة للحضور إلى الاستديوهات التحليلية ومزاحمة أهل الاختصاص في هذا المجال من المدربين واللاعبين السابقين، خصوصا أصحاب الثقافة الكروية العالية». وبين أن المشاهدين أصبحوا أكثر تفتحا، وصاروا يعرفون الغث والسمين في هذا الاختصاص: «من تتوافر فيه الشروط الفنية المطلوبة والقيام بدور المحلل الناجح قلة في الساحة، مدى رضا الجمهور عنهم يقف على الذوق الشخصي في تقديري». وأشار إلى أن المدربين واللاعبين يستفيدون من المحلل الرياضي إذا كان خبيرا ويعطي انطباعا جميلا للمشاهد وممتعا بتحليله الفني ونقده الهادف، لكنه استدرك: «على أن البعض منهم فقط من تتوافر فيه شروط الخبرة الكافية للتحليل والنقد، وأرى من وجهة نظري الخاصة أن ماجد عبدالله وخالد الشنيف وعادل البطي ومحيسن الجمعان ومحمد عبدالجواد هم الأفضل دون منازع». فاقد الشيء لا يعطيه بندر السعدوي له رأي آخر في اختيار الضيوف والمحللين والنقاد في الاستديو حيث قال: «يجب أن يمتلك الضيف ثقافة رياضية عالية، وأن يكون قد زاول كرة القدم على اعتبار المثل القائل «فاقد الشيء لا يعطيه»، فمن مارس اللعبة يدرك جيدا الأوضاع التي تحيط باللاعب أثناء اللعب بعكس غير الممارس، وكذلك لا بد أن يكون أكثر عقلانية في آرائه وبعيدا عن التعصب لفريقه ونجومه المفضلين؛ فالأجدى أن يتحلى بالشجاعة أثناء النقد وينتقد الجميع دون استثناءات». وبين أن للعلاقات الشخصية بين مسؤولي القناة والضيوف دورا واضحا في اختياراتهم: «الواقع لا يكذب وخير شاهد على ذلك، كان يفترض على القنوات أن تختار الرياضي المثقف والعقلاني والمحايد والمشجع وأن تبتعد عن أصحاب المصالح والأهواء، غالبية هؤلاء الضيوف في كثير من القنوات الرياضية غير مقنعين للجماهير». ورحب بوجود المدربين واللاعبين والإداريين السابقين ممن مارسوا واكتسبوا خبرة السنين في عالم الكرة كمحللين ونقاد يستفاد منهم لأنهم الأصلح وهم المؤهلون لانتقاد المدربين وتقديم النصح لهم: «أعتقد أن المدرب السابق خليل الزياني والدولي السابق ماجد عبدالله قادران بحكم ثقافتهما الكروية العالية وخبراتهما الثرية على انتقاد أي مدرب في العالم». واعتبر أن خليل الزياني وماجد عبدالله وصالح النعيمة وخالد الشنيف وفهد الهريفي هم الأفضل حاليا على الساحة والأجدر بالقيام بهذه المهمة. اختيار المحلل وأخيرا أوضح رئيس نادي القادسية عبدالله الهزاع أن اختيار الضيوف للتحليل والنقد لن يخرج من أسماء اللاعبين والمدربين والإداريين، الذين يستطيعون التعبير عن أفكارهم مع قدرتهم على تقديم ما يشد انتباه المشاهد أو المتلقي: «لا بد أن يتحلى الضيف بمهارات شخصية مثل سرعة البديهة والقدرة على جلب المعلومة الصحيحة وامتلاك الفكر الكروي العالي وغيرها، وبإمكانه أن يقدم صورة حسنة عنه». وبين أنه يمكن للعلاقات الشخصية أن تلعب دورا في اختيار الضيف: «أصبح مسؤولو القنوات الرياضية أكثر دراية وخبرة وباتوا يملكون نظرة ثاقبة في اختيار المحلل والناقد المتميز بعيدا عن المصالح وننتظر منهم المزيد». وطالب باختيار المحلل الجيد والمنطقي في طرحه وقراءته السليمة للمباراة: «أداء بعضهم دائما ما يكون يكون جيدا والبعض الآخر غير مقنع للجمهور، وبطبيعة الحال ليس هناك إنسان كامل». وأوضح أن المدربين واللاعبين يستفيدون غالبا من آراء النقاد والمحللين في حدود معقولة: «لو وُجه نقد إلى لاعب ما، فمن الممكن أن يعكس نظرة المحلل في أدائه ويصحح أخطاءه، خصوصا إذا كان الذي وجه النقد لاعبا عارفا ببواطن الأمور». وبخصوص ما إذا كان النقاد والمحللون مؤهلين لانتقاد المدربين وتقديم النصح لهم والتعريض بخططهم والسخرية منها أحيانا: «ربما تكون في حالة واحدة وهي أن يكون الناقد أو المحلل لديه الخبرة نفسها التي يمتلكها المدرب، وربما يستعمل بعضهم أسلوب التنفير والاستفزاز ويطلب إشراك لاعب دون آخر وهو في الحقيقة لا يعرف ماذا يفكر المدرب في المباراة، ويجهل إن كان اللاعب الذي طالب به في كامل الجاهزية أم لا». واعتبر أن خالد الشنيف وعادل البطي وحمود السلوة هم الأبرز والأميز في نظره، بل يقدمون أسلوبا جيدا وسلسا .