أتذكر أمي، بعد أن رأت شغفي الصغير، الصغير مثلي آنذاك، بتلك القصص، سرقت لي الكتاب الوحيد الموجود في بيت عمي، ذلك الكتاب الذي كان اسمه «حصار لمدائح البحر»، وصاحبه الذي تصدرت صورته غلاف تلك الطبعة كان مجهولا بالنسبة لطفل مثلي، فيما لا أدري بعد كم، سيكون اسمه حاضرا بشكل يومي في حياتي: محمود درويش.. ومحمود درويش تلفظ هكذا «حاف» مثل أي صديق! مرات ومرات قرأت القصائد، ولم أفهم شيئا. ثم ضاع الكتاب، ربما استعاده أبناء العم مرة أخرى! أو أن الذي استرده بالتحديد هو ابن العم الذي سأكتشف لاحقا أنه سطا على «قصيدة بيروت» بالذات، ناسبا إياها إلى نفسه أمام رفاق سلاحه الذين لم يطلقوا النار إلا في الهواء، فهم لم يحملوا السلاح إلا للتباهي في «الفدائية» كما شاعت تسميتها في الأوساط الفلسطينية لكنه، وللأمانة التاريخية، ذهب إلى لبنان وعاد بعد توقف العمل الفدائي، مثل كثيرين من أفراد تلك الدفعة، فحيث كان العمل الفدائي متوقفا، كانوا يذهبون إما هاربين من الأهل، وإما لضرورة إثبات الرجولة لنفوسهم المراهقة. فيما بعد حصلت على نسخة أخرى من «حصار لمدائح البحر» فأعدت قراءتها ثانية، والغريب أني أفعلها سامعا صوتا آخر، لا أعرف من أين يأتي، لكنه يتلو الكلمات بنبرة عالية، قبل أن تصل إليها عيناي. ذلك الصوت، والآن فقط أعرف، صوت الطفل الذي ضاع مع الكتاب، وأظن أن واحدا منهما لن يرجع أبدا!! رائد وحش