من الواضح في أعمال الفنان التشكيلي محمد الغامدي المختارة لعرضها عبر فعاليات غاليري أثر أن البقايا والنفايات تعيش انسجاما باطنيا يطفو ببساطة مع اكتشافاته لطرق ربطها ببعضها, إذ يكفي معه مجاورتها لبعضها لصناعة شكل مكتمل!. بل انه وحين يراكب مساحاتها ويلصق بعضها ببعض, لا يوحي على الإطلاق بأن جمع التنافر المحبوس فطريا فيها, فعلا صعبا!. على العكس من ذلك يظهر معه أن المدينة في النهاية هي تصورنا عن المدينة.. هو مخيلتنا عنها التي هي خريطتها المرسومه بشكل بدائي ومحدد تماما كما تظهر للنفايات خريطتها في لوحاته. تلك التي تقول وبوضوح إن الوعي بالمدينة عليه أن ينطلق من فكرة. الفكرة ستتسرب من نقطتها المركزية وستنساب مساحات تتشجر لتحوي أفكارا أكثر وأكثر عن شوارع ربما تظهر أنيقة لولا أن تراكبها لا يصنع خريطة كما توحي به اللمحة الأولى.. إنها تربي فقط إدراك القمامة لشكل المدينة التي أنجبتها لا أكثر. إن الاعتماد على الاكتشاف كمادة محركة وحيدة لبناء العمل هي التخفف من الالتزام بقالب واتخاذ شكل الابتعاد عن التنميط بمختلف الصور بحيث يتحول هذا السلوك بذاته لعنصر يمنح لاتجاه الفنان أصالته. خصوصا وهو يعيد تكوين المدينة من وجه عجزها وضآلتها انه يحللها لحديد وورق وأغصان . محمد الغامدي يقتفي الأثر الناتج عن الحياة الكادحة المشحون كليا بالتفتت والتباعد مايجعل أمر جمعه تعبيرا وافيا عن رغبة سرية تجاه الوحدة .. وحدة الضعف التي تحيل الهشاشة لكل معتبر وتستفز مقدرات الأثر السرية باستدرار اقترابه من بعضه ناقلا إياه لمرحلة تعبيرية اجتماعية أخرى لم تخطر لقلب أثر!. يمكن التأكيد على أن المستوى من التهذيب عند محمد الغامدي في نقل خاماته لا يوازي إطلاقا الدراما العظيمة المنطوية في رمزية المهملات. بإحالاتها الاجتماعية ومعانيها الباطنية. رغم هذا نحن عاجزون كليا عن غض النظر عن الموضوع الكبير القائم في وجهة النظر الصوفية المحركة للبحث بسكينة ووقار عن خاماته, تلك الحاضرة في مشهد الحياة, المشاركة في صنعها بشكل أو بآخر, ذلك النوع من البحث المنحاز للمدينة «كموقف منها» وتلك القدرة على تتبع الموضوعات والقصص. حتى وإن لم يظهر هذا النوع من الجهد بكامل طاقته في العمل إلا انه أساسي في خطاب الفنان كما يظهر في تصريحاته و تقديمه لأعماله..والتي تبرر خضوعا سهلا لسلطة العواطف التي يثيرها خطابه الشعري والمثقف. يقول هايني: «إن الدنيا والحياة مفتتة أكثر مما ينبغي « عند محمد الدنيا المدينة, والمدينة مفتتة أكثر من ماينبغي فعلا .. فالأجزاء من بقايا آلات لا نعرف عنها شيئا ..هي كل ننتمي إليه ..نستهلكه دون هوادة لكننا لا نعرفه!.. هكذا وبهذه البساطة قضيته أساسية مع الزمن. لذلك هذه المهملات هي ظل للأحداث اليومية التافهة والأحداث التي مهما بلغت من الإثارة هي تربي باطنيا حقيقةعبورها».