لا يختلف اثنان على بروز شخصيات مبدعة في حقبة الثمانينيات والتسعينيات أثرت الحراك الثقافي محليا وعربيا، لكن إنتاجهم كان راضخا في تلك الفترة إلى جملة من الضوابط والمعايير، إضافة إلى خضوعها لعين الرقيب وقلم الناقد ومراقبة المتابع العادي المهتم. وفي السنوات العشر الأخيرة، شهدت الساحة الثقافية دخلاء من كل الاتجاهات كانوا من اللاهثين وراء الشهرة، إذ سوّقوا منتجهم على حساب متلقٍّ مغلوبٍ على أمره، وركبوا موجة اللعب على المحظور حين وجدوا في السياسة والجنس والمرأة، ذلك الثالوث الخطر، مدخلا لاقتحام الساحة الثقافية حتى لو كان المنتج أعمالا ركيكة لم يحتفِ بها سوى ثلة من الفارغين. وفي المقابل، خاض المفكر الكبير مصطفي محمود على مدى عقود طويلة سجالا حميما مع الذات والآخر حتى أربك الوسط الثقافي بمساجلاته الشهيرة التي تضمنت أسئلة عميقة في ثنائية الإيمان والكفر والعلاقة بين الخالق والمخلوق. واستقر المطاف بمحمود على ناصية الواقع الذي خلق من أجله ومات تاركا للأرض وأهلها إرثا عظيما من الفكر والمعرفة والثقافة، هو الذي لم يبحث عن شهرة ولا عن منصب طيلة عمره المديد، فجاءته الوزارة ورفضها لأنه فشل في إدارة أصغر مؤسسة في الحياة وهي الزواج.. على الطرف الآخر من المنطق، استماتت نوال السعداوي بسذاجة مفرطة في تمرير أفكارها الشاذة بطرق عقيمة، لكنها فشلت، لأنها تلاعبت طويلا بإيحاءات الفطرة ودلالات الدين عبر تأويلات سطحية لمعطيات الواقع تعكس صراعها النفسي مع ذاتها المتقوقعة. ثم جاءت نادين البدير التي أسمت نفسها “كاتبة سعودية” رغم أنها تعدت حدود البلاد والعباد، فأصدرت فتوى ذاتية تعارض الدين والمنطق بغية المزيد من الشهرة والأضواء، وأباحت لنفسها أن تتخذ أزواجا أربعة ما دام الرجل قادرا على الزواج بأربع نساء، وهو قياس فاسد بطبيعة الحال لولا أن البدير تكتب في حالة من اللاوعي واللامنطق. وشتان ما بين نموذج محمود ونموذج السعداوي والبدير، فالأول كان قامة فكرية وموسوعية علمية متنقلة، بينما كان طرف مثالنا الثاني صورة منفصمة توحي بخلل نفسي خطير. ورغم الشهرة والأضواء، لكن التاريخ لن يكفل لأي منهما أن تعيش في بحبوحة من التقريظ والمديح، لأن شروط البقاء تقتضي الموهبة والعمق ودقة الطرح، وكلها تفتقر إلى أدنى متطلبات الموضوعية.