“بعد ما شاب.. ودوه الكتاب” خالف كثير من كبار السن وغيرهم من الكبيرات هذه المقولة الدارجة بالتحاقهم بأحد برامج “مجتمع بلا أمّية” بمكةالمكرمة لتعلم أبجديات اللغة بمعرفة الحروف والأرقام، في محاولة جادة منهم ولا تعرف اليأس للتعرف على كتابة الجمل وفك طلاسمها بعد أن ذهب العمر دون تعليم. وتعكس تجربة هؤلاء الكبار شغفا بطلب العلم وإدراك ما فاتهم ولو بالقليل منه الذي يساعدهم في القراءة والكتابة وتحصيل قدر معرفي يناسب سنوات العمر الباقية، ويلحقهم ركب التطور والمعرفة التي تقدمت كثيرا وهم بعيدون عن أجواء القراءة والكتابة. قراءة القرآن يقول العم “أبو محمد” الذي تجاوز ال60 عاما: “يمكن أن يمر قطار الزواج، لكن قطار العلم لا يتوقف عند سن معينة؛ فها أنا كنت لا أستطيع قراءة الحروف أو الأرقام، وبفضل الله ثم التحاقي بهذا البرنامج استطعت أن أكتب اسمي بعد مرور عشرات السنين، كنت خلالها لا أعرف شيئا عن الكتابة والقراءة”، مضيفا: “تقدمت بنا السن، ولكن لا يعني ذلك أننا لا نتعلم شيئا، فكما استطعت كتابة الحروف والأرقام استطعت كذلك قراءة عدد من السور القرآنية ومتابعة معلمي في الفصل”. وتقول “أم ناصر” (62 عاما): “أحاول فيما تبقى لي من عمر قراءة الكلمات والحروف ومعرفة كتابة الأرقام وقراءتها”، مشيرة إلى أن ذلك جاء بعد تشجيع أولادها وأحفادها بأن تلتحق ببرنامج “مجتمع بلا أمية” الذي استفادت منه الكثير، على حد قولها. 700 دارس ويؤكد فهد بن مزيد الشلوي مدير إدارة برامج محو الأمية بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة مكةالمكرمة أن عدد الدارسين الملتحقين ببرنامج “مجتمع بلا أمّية” لهذا العام بلغ أكثر من 700 دارس، موزعين في 107 فصول دراسية، ويتولى تعليمهم 107 معلمين وطنيين تم التعاقد معهم للتدريس في البرنامج. أهداف البرنامج ومستهدفوه ويشير حامد بن جابر السلمي المدير العام للتربية والتعليم للبنات بمنطقة مكةالمكرمة إلى أن القضاء على الأمية هو الرؤية والحلم اللذان انطلقت منهما الإدارة وهي تدعم البرنامج، ويقول: “تتضافر كافة الجهود في برامج عدة تسعى إلى تحقيق الهدف”، لافتا إلى أن محو الأمية الأبجدية لجميع شرائح المجتمع سواء في القطاعات الحكومية أو الخاصة أو ربات البيوت يأتي لتعميق حب الله وتقواه وتمكين الدارسات من تلاوة كتاب الله وحفظ بعض سوره، إضافة إلى تنمية الحس الوطني لديهن وتحقيق التنمية الثقافية والاجتماعية والأسرية بينهن، إلى جانب تنمية الاتجاهات والقيم الإيجابية، وتلك هي مجمل الأهداف السامية للبرنامج الذي يتطلع القائمون عليه منذ انطلاقه إلى أن يتحقق بنهاية عام 1431/1432ه بمحو أمية عدد كبير من شرائح المجتمع المكي سواء في المدن أو القرى والهجر من خلال نظام تعليمي متكامل. ويضيف السلمي: “يستهدف البرنامج الذي وضعت له خطة على مدى ثلاث سنوات بداية من عام 1428/1429ه الفئة العمرية التي بين 11 و45 سنة، ولكنه يتيح الفرصة لكل أمي خارج الفئة المستهدفة للالتحاق بالبرنامج داخل حدود النطاق العمراني بمكة أو القرى والهجر والأماكن النائية، وسيشمل تنفيذ البرنامج المدارس، المساجد، الجمعيات الخيرية، دور تحفيظ القرآن الكريم، المستشفيات، الجامعات والكليات، ومقار العمل”. 3 آلاف دارسة ويوضح السلمي أن تطبيق البرنامج يعتمد على مقررات خاصة تدرس وفق خطة دراسية تعتمد على 20 حصة أسبوعيا تشمل العلوم الدينية والقرآن الكريم، القراءة والكتابة والرياضيات، كما يتم تقويم الدارسات وفق مهارات التقويم المستمر الخاصة بمقررات البرنامج. ويشير إلى أن البرنامج الذي ينفذه فريق عمل جماعي يخضع لآلية مرحلية محددة وفقا لمراحل التخطيط والتنظيم، الحصر، التنفيذ والتهيئة ثم المرحلة الختامية وتشمل التقويم. ويلفت إلى أن عدد المسجلات في البرنامج العام الماضي بلغ 3758 دارسة، في حين بلغ عددهن هذا العام 2953 دارسة، موضحا أن هناك برامج أخرى مساندة تسهم في توعية الدارسات بصورة شاملة في كل نواحي حياتهن من خلال لجان التوعية الدينية والصحية والتثقيفية، وسيضع كل قطاع مشارك خطة لتقديم هذه البرامج التوعوية وكيفية تنفيذها.