وجدت هذه السيدة نفسها في موقف شرعي وقانوني غريب ونادر، فقد كانت في وضع ليست كالمعلقة أو المهجورة أو المطلقة أو المتزوجة أو العازبة، كانت خليطا من كل ذلك في وقت ظنت فيه لسنوات أنها متزوجة من رجل يعاشرها معاشرة الأزواج وأنجب منها، وكانت بينهما توترات كتلك التي تحدث بين كل زوجين تصل أحيانا لاعتراف زوجها بأنها مطلقة ويبرز لها صك طلاقها من جيب، ويفاجئها بعد هدوء النفوس أن الطلاق لم يقع لأنه في حالة غضب أو يؤكد استمرار الزوجية بينهما بصك زواج رسمي يخرجه من جيبه الآخر يسنده بفتاوى العلماء. وهكذا استمر الحال لفترة من الزمن لتكتشف مع توالي خروج الصكوك أن محكمة الضمان والأنكحة بالرياض أصدرت صكي طلاق لها من زوجها الذي ظل يتحايل بطلاقها ورجعتها بتقديم هذه الصكوك للجهات المختصة للتخلص من حقوقها الشرعية المترتبة على زواجه منها؛ مثل النفقة والسكن وغيره مما يترتب للزوجة على زوجها. وقد فوجئت السيدة الثلاثينية بصك طلاق صادر لها بتاريخ 12 / 3 / 1428 كان الزوج قد قام بتقديم طلب استخراجه من المحكمة قبل أكثر من ثلاثة أشهر من تاريخ إصداره، وادعى فيه أنه طلقها طلقة أولى في 1 / 11 / 1427، وأنها قد بانت منه بينونة صغرى، ولا تحل له إلا بعقد جديد مستوفي الأركان والشروط لانتهاء عدتها وعدم مراجعتها وتمكينها من الزواج بغيره متى أرادت، وهي بيانات منافية للواقع، حيث كان الزوج يعاشر الزوجة معاشرة الأزواج طوال هذه المدة دون أن يبين لها أنه مقبل على إجراءات الطلاق أو تمكنه من استخراج صك به. صك الطلاق في الجيب تحدثت السيدة ل“شمس” عن تجربتها بين زواجها وحالة اللازواج التي عاشتها في غفلة عنها حتى تأكدت من طلاقها، بقولها: “امتنع زوجي عن تسديد أجرة السكن ما جعلنا نتعرض للطرد من منزل الزوجية، وكان يغيب عن المنزل كثيرا، ويعتذر بأن زوجته الأولى تكره مجيئه ونفقته علي وعلى طفلي، واختلفنا على هذا الوضع وتلفظ علي بطلقة واحدة في تاريخ غير الوارد ذكره في الصك، ثم تراجع عن ذلك وطالبني بحقوقه الشرعية في المبيت، وأكد لي التزامه بتسديد النفقة وأجرة السكن، وأن طلقته هذه لا تقع بحجة أنني لم أكن على طهر، وأنه كان غاضبا، وأحضر لي فتاوى شرعية دالة على ذلك، وكان يقوم بمهاتفة المشايخ أمامي واستفتائهم للتأكيد لي أن طلقته لا تقع ما جعلني أواصل حياتي معه بشكل طبيعي، خاصة أن لدي طفلا منه”. وتضيف: “غير أنه تخلف عن الإيفاء بالنفقة والمصاريف لمدة شهرين من وعوده، ما دعاني إلى رفع شكوى أطالبه فيها بحقوقي الشرعية، وكان ذلك في نهاية صفر 1428، خاصة بعد أن بدأت ألاحظ تغير أسلوبه في الحديث معي واكتفاءه بحقه في المبيت دون إبداء أي اهتمام بالوفاء بعهده في نفقتي الشرعية أو العدل بيني وبين زوجته الأولى، بدءا من المبيت ووصولا للمعاملة بالحسنى وانتهاء بالنفقات، بل واكتشفت أنه لم يسدد فواتير الكهرباء لمدة تزيد على سنة؛ مما تسبب في فصل التيار الكهربائي بشكل مفاجئ في غيابه، وعند إبلاغه لم يبد أي اهتمام”. وتتابع وقائع معاناتها، قائلة: “أثناء الأيام الأولى من الشكوى فوجئت بعدم مبالاته مطلقا، وعدم رده على اتصالاتي، وورد لي اتصال من زوجته تفيدني فيه بأنني مطلقة منه منذ زمن وليس لي حق في مطالبته أو الاتصال به، ثم فوجئت مباشرة أثناء التحقيق معه في الشكوى بأن قدم صك الطلاق الذي يفيد بأنني مطلقة منه منذ زمن، وأن لا حقوق لي لديه، فأجبت المحققين بأن ذلك كذب وافتراء، وأنه كان يعاشرني معاشرة الأزواج طوال تلك الفترة، وأنني لا أعلم عن أمر الصك أي شيء فأخبروني أنهم يكتفون بالصك الذي قدمه لحفظ القضية، وأن اعتراضي على أقواله يجب أن يكون في المحكمة”. ثقة عمياء وتضيف: “كان ذلك عقب أيام من استخراجه صك الطلاق الذي لم أكن أعلم حينها مكان إصداره، وبقيت لمدة أيام أحاول الاتصال بالمحاكم لعلي أجد من يفيدني في الوصول إلى هذا الصك، وفعلا، توصلت في نهاية الشهر إلى مكانه، واكتشفت أن السبب في تأخير وصولي إليه هو أن زوجي زود محكمة الضمان والأنكحة برقم اتصال لي غير صحيح، وعند قراءة ما جاء في الصك صعقت مما ذكر فيه، وهاتفت القاضي الذي أصدره وأنكرت عليه إصداره دون سؤالي أو الحرص على معرفة حالي وطلب حضوري، فأجاب بأن الرجل مصدق في المحكمة فيما يقول عن طلاق زوجته ولا داعي لحضور المرأة، فسألته: إن كان الزوج كاذبا فيما قال فما الذي ينبغي علي فعله؟ فقال: عليك رفع دعوى، فغضبت أشد الغضب، وقلت له: “لو كنت يا شيخ طلبت حضوري لما كنت أستطيع منعه من الطلاق في حينه، ولم يكن يستطيع أن يدلي بمعلومات مغلوطة، لكن ثقة المحكمة العمياء بما يقوله الزوج ورطتني ومنعت عني حقوقي الشرعية”. وتستطرد في سرد معاناتها: “توجهت مباشرة لرفع دعوى أطالب فيها بإثبات عدم صحة بيانات الصك، واستمرت فترة التقاضي ثلاث سنوات شاقة ومرهقة ومؤلمة، قدمت فيها الإثباتات الشرعية المؤكدة لاستمرار العلاقة الزوجية مع زوجي رغم مزاعمه وإصراره بأنه طلق، وأن عدتي انتهت دون مراجعتي، وبعد أن حققت البيانات الشرعية التي قدمتها في الوصول للحقيقة الشرعية صدر بموجبها صك شرعي في 19 / 11 / 1429 يثبت استمرار الزوجية، وتم تصديق هذا الحكم من محكمة التمييز بالرياض بتاريخ 19 / 11 / 1430 ما جعلني مستحقة للنفقة طوال هذه الفترة التي كان ينكر فيها الزوج استمرار العلاقة الزوجية”. وتتابع: “بمجرد أن وصل الصك المميز في بداية هذا العام وبدأت إجراءات تنفيذ استلام نفقاتي، فوجئت باستخراج الزوج لصك طلاق آخر بتاريخ 12 / 2 / 1431، وأيضا من محكمة الضمان والأنكحة بالرياض، يدعي فيه أنه قام بتطليقي طلقة ثانية بعد الدخول في تاريخ 5 / 11 / 1429، أي بعد الحكم الابتدائي بأيام وقبل رفع اعتراضه للتمييز على الحكم دون الإشارة إلى العقد الجديد المفترض بيننا، والاكتفاء بمعلومات العقد الأساسي للزواج وليس أصل العقد، والمصيبة الكبرى أنه كان قبل أكثر من سنة على تاريخ استخراج الصك الثاني”. قطعة أثاث وتتجه السيدة لرفع دعوى بطلب الحق الخاص، وإقامة الدعوى العامة على ما قام به وأصر على تكراره، على حد قولها، وتتابع: “سيتم احتساب نفقاتي طوال هذه المدة، فلست مغفلة لكي أهاب هذه الصكوك التي ثبتت منافاتها للواقع، رغم محاولات ثنيي من قبل الجهات المختصة عن تقديم الدعوى وتعطيل سير إجراءاتها؛ فالصك الأول ثبت نفيه بالصك الشرعي الذي تم تصديقه من محكمة التمييز، والثاني يثبت تلاعب الزوج بتعليقي طوال هذه الفترة بسبب نكرانه الرجعة الأولى طوال مدة التقاضي، ولكنني أتساءل: كيف تقوم محكمة الضمان والأنكحة بالرياض بتسهيل تلاعب هذا الزوج في الصكوك الشرعية؟ وكيف تستخرج له صك طلاق أول بناء على معلومات أدلى بها لهم في حقي دون سؤالي عن صحتها وأنا طرف ثان أساسي في الموضوع؟”. وتضيف بأسى: “لقد أشعرتني هذه الصكوك أنني كقطعة أثاث ليس لها قول، خاصة أن المعلومات التي أدلى بها لهم كانت تفيد بأنه طلقني قبل نحو خمسة أشهر من تاريخ إصدار الصك الأول، ثم كيف تقوم محكمة الضمان والأنكحة مرة أخرى باستخراج صك طلاق ثان للمرأة نفسها التي سبق أن تم تطليقها في المحكمة ذاتها من الزوج عينه بصك يفيد بأنها بانت منه بينونة صغرى قبل ثلاث سنوات، وأن لها أن تتزوج متى أرادت، دون أن تطلب المحكمة عقد الزواج الجديد المفترض بينهما، ودون سؤال المرأة عن حالها طوال هذه الفترة، ودون معرفة أين قضت كل تلك الفترة؟!!”. وناشدت مجلس القضاء الأعلى بالتدخل لإيقاف مهازل طلاق الرجال لزوجاتهم دون علمهن وبتواريخ تسقط عدتهن، ومحاسبة القضاة والشهود والمحامين الذين ترافعوا عنه وهو ظالم مبطل، فكل هؤلاء تسببوا في تسهيل تلاعب زوجي تحديدا بميثاق الزوجية وضياع أكثر من ثلاث سنوات من عمري في طلب حقوقي، بالإضافة إلى تعريضي لما يغضب الله بسبب الحرمان. وتقول: “إن كانت المحاكم تعتقد أن الرجال مصدقون فيما يقولون عن إيقاع الطلاق، فالنساء مؤتمنات على فروجهن وأعرف بحالهن، وقد أمرهن الله بإحصاء العدة؛ ما يستوجب علمهن بالطلاق فور وقوعه، وليس كما يحدث الآن، فقد تعددت حالات طلاق النساء بتواريخ قديمة لأغراض في نفوس الرجال، منها إسقاط حقوقهن الشرعية بهذه الصكوك المدلسة”.