بعد أن فقد الدوري الإيطالي بريقه كواحد من أكثر الدوريات تنافسية وإثارة؛ بسبب فضائح التلاعب في النتائج ورشوة الحكام (الكالتشيو بولي) في 2006، لم يعد يتبقى من قوة تلك البطولة سوى أسماء المدربين أصحاب العقليات الفذة المتسلحين بطريقة (الكاتيناتشو)، التي تعتمد على التنظيم الدفاعي وتأمينه قبل بناء الهجمات. وعلى قدر الانتقادات التي وُجِّهت إلى تلك الطريقة واتهامها بأنها تقتل متعة كرة القدم، إلا أنها أثبتت فاعليتها وقادت منتخبات وفرقا لتحقيق الأمجاد والبطولات المرجوة. ذلك الأمر جعل الاتحاد الإنجليزي يفكر بمنطقية أكبر بعد أن سئم من تردي نتائجه على المستوى الدولي، ومطاردته للقب كأس العالم أكثر من 40 عاما دون جدوى، فما كان منه إلا تغيير قناعاته والبدء باستحياء في التعامل مع تلك الطريقة بإعلانه التعاقد مع السويدي زفين جوران إريسكون ليقود دفة المنتخب نظير نجاحاته مع لاتسيو الإيطالي. حقبة إريسكون مع الإنجليز لم تكن سيئة، إلا أنها واجهت حظا عاثرا؛ بدليل خروجهم من كأس الأمم الأوروبية 2004 وكأس العالم 2006 بركلات الترجيح؛ ليأتي بعد ذلك تعيين الإنجليزي ستيف ماكلارين الذي أثبت بشكل قطعي عدم تناسب منهجيته مع اللاعبين، وكان نتاج ذلك فشل منتخب (الأسود الثلاثة) في الوصول إلى نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2008. أخيرا تخلى الاتحاد الإنجليزي عن قناعاته بشكل كامل واقتنع بأن النتائج المقرونة بأداء ممتع من الصعب إيجادها؛ ليأتي التعاقد في 2008 مع الإيطالي فابيو كابيللو أكثر المدربين تمسكا بطريقة (الكاتيناتشو)، وهي ما جعلته خارج أسوار ريال مدريد الإسباني رغم تحقيقه لقب الدوري في العام نفسه الذي أُقيل فيه؛ لتتغير منهجية المنتخب بصورة كاملة، وأصبحت النتائج مقياس النجاح الأهم، وبالفعل حصل الإنجليز على مبتغاهم من تصفيات كأس العالم 2010 بعد أن تزعموا مجموعتهم بتسعة انتصارات وخسارة واحدة أتت بعد أن ضمنوا التأهل بشكل رسمي. الصورة المميزة التي وضعها كابيللو في مخيلة أكثر من يقف ضد قتل المتعة الكروية جعلت أندية الدوري المحلي تفكر مليا في ضرورة التعاقد مع مدربين بتلك الخاصية نفسها؛ ليجهزوا على ما تبقى من سحر الدوري الإيطالي الذي يعاني الأمرين، وكان تشلسي السابق في القيام بتلك الخطوة الجريئة بتعاقده مع كارلو أنشيلوتي من ميلان، على الرغم من عقلية رومان إبراموفيتش مالك النادي المتحجرة، التي تدعو المدير الفني دائما إلى إظهار متعة الفريق، لكن تجربة الفريق السيئة مع لويس فيلبي سكولاري كان لها دور بارز في تغير تلك الاستراتيجية. أنشيلوتي بدأ مع تشلسي بطريقة مثالية، وتوالت انتصارات الفريق معه، وكان نتاج ذلك تصدره لترتيب الدوري بعد انقضاء النصف الأول منه، إضافة إلى تأهله إلى الدور ثُمن النهائي من بطولة دوري أبطال أوروبا. وسبق أن تلقى أنشيلوتي سؤالا في أحد مؤتمراته الصحافية عن عدم إجادة تشلسي اللعب الهجومي مثلما تفعل بقية فرق الدوري، وكانت إجابته نموذجية؛ حيث قال: “المتفرج قد يتذمر من مباراة لا يجد فيها المتعة؛ لأن النتيجة لا تهمه، لكن الوضع مختلف بالنسبة إلى المشجع الحقيقي. بإمكاني تلخيص مفهومي لذلك الأمر بأن النتائج هي متعة جماهير الفريق الذي تنتمي إليه، والأداء الجيد هو المهم للبقية؛ فلو كنت مشجعا لتشلسي لما طالبت بالمتعة لأنك ستجدها في النتائج”. وسار مانشستر سيتي الطموح في اعتلاء المجد الكروي على خطى ما قام به تشلسي، بإعلانه أخيرا تعيين الإيطالي روبيرتو مانشيني مديرا فنيا له، خلفا لمارك هيوز حيث أقال الفريق قناعاته بالنهج الكروي الممتع. وحقق مانشيني نجاحات كبيرة في إيطاليا في الفترة التي أشرف فيها على لاتسيو، ومن ثم إنتر ميلان، وقاد الأخير لتحقيق لقب الدوري في ثلاث مناسبات، ويبدو أن مسؤولي السيتي قد اقتنعوا بأن أقصر الطرق لتحقيق الألقاب هي الاعتماد على قدرات مدرب واقعي يؤمّن دفاعاته قبل أن يشن الهجوم على الفريق المضاد. وسيشهد لقاء فريقي مانشستر سيتي وتشلسي بالدوري الانجليزي تكرار ديربي إيطاليا الشهير بين ميلان والإنتر بطريقة جديدة كليا؛ كونه سيضع مانشيني مدرب إنتر ميلان السابق في مواجهة أنشيلوتي نظيره في ميلان، لكن في دوري مختلف عن الذي اعتادا أن يتواجها فيه. وقد يجد الإسباني رافائيل بنيتز مدرب ليفربول عذرا في الوقت الجاري للعودة إلى تلك الطريقة التي استعملها في بدايته وقادت الفريق لتحقيق دوري أبطال أوروبا عام 2005؛ لأنه استجاب في العامين الماضيين للضغوطات التي واجهته فيما يخص تكتيكه، وانحدرت بعدها نتائج ليفربول،وكان للتحول المفاجئ الذي سار عليه الاتحاد الإنجليزي ومن بعده تشلسي ومانشستر سيتي، إضافة إلى ويستهام مع مدربه جيانفرانكو زولا، دور بارز في تغير بعض تقاليد الدوري الإنجليزي؛ حيث أصبحت الواقعية جزءا مهما فيه، عكس ما كان عليه سابقا. وأكد عدد من اللاعبين والمدربين في إيطاليا أن اتجاه الاتحاد الإنجليزي وبعض أنديته إلى التعاقد مع مدربين إيطاليين قد جاء بسبب اختلاف طريقة لعب الكثير من الفرق؛ حيث أصبح الواجب الدفاعي جزءا أساسيا من منظومة المدربين الموجودين منذ فترة بعيدة مثل أليكس فيرجسون الذي اعتمد على غير عادته اللعب بواقعية دون الاحتياج إلى الاندفاع الهجومي في السنوات الأخيرة، وهو ما مكَّنه من تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في مسيرته الحافلة بالألقاب عام 2008.