إذا كان “آخر العلاج الكي” لكثير من الأمراض حسب الثقافة الشعبية التقليدية، فإن الخيار لا يصل إلى هذه الدرجة بتلك التلقائية عندما يتعلق الأمر بالبت في مصير علاقة شرعية وإنسانية ربطت شخصين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الكي هنا سيحمل اسما ترتعد له الأبدان وتصطك منه الأذنان “الطلاق” أو “أبغض الحلال”. وعلى الرغم من كل التجارب المريرة والمحاذير الكثيرة إلا أن الطلاق أصبح يمر مرور الكرام ولا يلفت الانتباه إلا فيما ندر، ومن ذلك حالات طلاق المسنين أو الذين أمضوا حياة زوجية استمرت لعشرات السنين ولم يحلُ لهم الطلاق إلا بعد هذا العمر المديد..“شمس” سبرت أغوار بعض هذه الحالات والتقت اختصاصيين في مختلف الميادين استطلعت آراءهم حول الظاهرة: العم محمد القمعري “72 عاما” أبدى رفضه للطلاق في هذا الوقت بالتحديد وتساءل “كيف يتم هذا الطلاق بين زوجين في هذا العمر تحديدا؟ وكيف يرضى الزوج بطلاق من عاشت معه عشرات السنين بحلوها ومرها؟” وأضاف “ننصح جميع الأزواج في هذه السن أن يقدر كل واحد منهم الآخر وأن يعيشا تحت ظل الحب والوفاء والإخلاص”. حالات فردية واستنكر العم أبو راشد “67 عاما” الظاهرة ولكنه استدرك “قد تكون هناك حالات فردية لها ظروفها الخاصة التي دعت إلى مثل هذا الطلاق “ولكن” لا يمكن أن يكون الطلاق في هذا الوقت بالذات حلا لأي مشكلة بين الزوجين” وتساءل عن المستفيد من هذا الطلاق إن حدث، مشددا على ضرورة تقدير العشرة الزوجية التي لا يمكن أن نغفلها في لحظة غضب ونتسرع في إلقاء أي عقوبة لفظية أو فعلية على أزواجنا ولا سيما في هذا العمر المتقدم”. أما سعد الخالدي الذي لم يخف استهجانه لهذه الظاهرة التي يسمع عنها كثيرا فيقول “عشت أحداث طلاق من هذا النوع عندما أقدم مواطن في العقد الثامن من عمره على طلاق زوجته البالغة من العمر 75 عاما بسبب طلب زوجته نفقة شهرية تقدر ب 500 ريال، بعدما تزوج عليها بأخرى وعانت أمراضا صحية أجبرتها على طلب هذه النفقة الشهرية من زوجها”. الهجر بديل أخف من جهة أخرى يرى الشيخ غازي الشمري الداعية المعروف ورئيس لجنة التكافل الأسري بإمارة المنطقة الشرقية أن هذه الحالات من الطلاق لا تعدو كونها حالات فردية قد لا توصف بالظاهرة، وأضاف: “أستغرب وأتعجب لحال مثل هذا النوع من الطلاق لأن الكاسب الوحيد والمستفيد الأكبر من ذلك هو الشيطان ولا سيما أن الزوجين عرف كل منهما مفاتيح قلب الآخر بعد مرور سنوات من العشرة الزوجية الحميمة”، وأوضح “عند وقوع الطلاق في هذه السن المتقدمة من العمر فإنني أشك أن أحد الزوجين مريض بمرض نفسي بل يحتاج أحدهما أو كلاهما إلى علاج نفسي” وعدّ الشمري أنه ليس من المعقول أن تهان عشرة زوجية طويلة تخللها إنجاب الكثير من الأبناء، ناصحا الأزواج في هذه المرحلة العمرية أن يتقوا الله في أولادهم وأعمالهم وأن يتحلوا بالصبر، فإن كان لابد للرجل أن يطلق فالهجر قد يكون أخف من الطلاق. واقع لكنه مرير يرى الدكتور علي الزهراني - مستشار تربوي ونفسي - أن “طلاق المسنين واقع، وواقع مرير، ولا نستطيع الحكم على أنه ظاهرة إلا بدراسات وإحصاءات ميدانية”. وعن أسباب هذا الطلاق يقول الزهراني “ من الأرجح أن تكون أسباب هذا الطلاق إما ذاتية (من الشخص نفسه) وإما خارجية من المؤثرات المحيطة بالشخص، وإما أنها تكون تراكمية وانفجرت في هذه السن، وإما أن تكون طارئة عليه. لكن أحمد السويدي الأمين العام لجمعية الجبيل الخيرية والمستشار بمركز الاستشارات والإصلاح الأسري، ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة إذ يؤكد أنه “ من خلال عملنا سواء في الجمعية أو مركز الاستشارات والإصلاح الأسري لم نلاحظ أن هذا الأمر وصل إلى الحد الذي يجعلنا نطلق عليه لفظ ظاهرة، فمع تسليمنا بوجود حالات منه في مجتمعنا إلا أنها قد تكون محدودة كنتيجة طبيعية تحدث بين الزوجين كبار السن أسوة بغيرهم من الأزواج” . التوصيف العلمي ضرورة وعن استفادة النساء بصك الطلاق في التقديم به للجمعيات الخيرية لفت السويدي إلى أننا “ يجب أن نتذكر أننا نعيش في مجتمع إسلامي يبتغي كل فرد فيه رضا الله عز وجل، وأتفق تماما على أنه لا يمكن إلا في حالات محدودة جدا منها افتعال بعض الطرفين من الزوجين المسنين مسببات الطلاق حتى يكون صك الطلاق إحدى وسائل الاستجداء والتسول، بل إنه يوجد في مجتمعنا كثير من المسنين الذين يتحملون كثيرا من تكاليف وأعباء الحياة، ومع ذلك يستمر الوفاء بينهم حتى يختم الله عز وجل حياتهم بخير، وعند رغبتنا في طرح مثل هذه القضية والحكم عليها، لا بد أن يتوفر لدينا من المعاهد ومراكز الأبحاث والجهات ذات العلاقة، والدراسات والأبحاث العلمية الدقيقة التي تشخص هذا النوع من الطلاق وتعرفنا بالمسببات والآثار على أرض الواقع حتى نتمكن من خلال هذه الأدوات وعن طريق المتخصصين في هذا الشأن من توصيف المشكلة وبالتالي وصف الدواء”.