مقابلة الجمهور والوقوف على خشبة المسرح لها رهبة كبيرة في قلب أي فنان، وكثير من الفنانين يحاولون التغلب على ذلك الشعور الداخلي، بفرض (بريستيج) خاص لهم على خشبة المسرح، بحيث يسيطرون على حماس الجمهور من جهة، ويكونون في (الفورمة) الغنائية مع الفرقة الموسيقية من جهة أخرى.. دعنا ننتقل سوياً إلى الخشبة التي وقف عليها النجوم لنشاهد بعض الطقوس وردود الفعل التي تحدث من الفنانين عند غنائهم.. العندليب يختلف مع جمهوره في إحدى حفلات (العندليب الأسمر) الفنان عبدالحليم حافظ قبل (40) عاما، حدث اختلاف لطيف بينه وبين جمهوره الذي يعشقه لحد الجنون، وذلك بسبب قيام بعض الجماهير المتحمسة بالتصفير الزائد، وترديد بعض الشعارات الفنية، فطلب منهم الهدوء، حتى يستطيع التركيز مع الفرقة، وكان ذلك تصرفا ذكيا منه؛ لأنه عرف عنه أنه يرفض الشعارات وإقحام أشياء بعيدة عن الفن فيه. في الوقت الحالي لا يمكن للفنان أن يرتاح ويهدأ باله إذا رأى الجمهور ساكتا لا ينبس بكلمة، بعض الفنانين أصبحوا يحاولون جاهدين انتزاع الصراخ والتصفيق من أفواه الجماهير، والبعض الآخر بدأ في الرقص على خشبة المسرح، حتى أصبح ذلك الأمر موضة وكأنه شيء واجب الحدوث. عظمة يا ست كوكب الشرق أم كلثوم كانت لا تتحرك من مكانها، وقد وصفها البعض بالمجسم الثابت الذي لا يمكن أن يتزعزع من محله، وإذا ما بالغت في الطرب واستفاض بها الوجد في الأغنية، فهي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترقص، لكنها تضرب بقدمها اليمنى بقوة، ثم تعود إلى الخلف، وهي تميل برأسها قليلا، والجمهور في هذه الحالة لا يستطيع إلا أن يصفق، وخصوصا الجمهور (الذويق) لأنهم يعرفون إحساسها وقوة صوتها وعظمة حضورها وهي تحمل المنديل. فيروز (ما عم تضحك) الفنانة فيروز تقف شامخة كشموخ شجرة الأرز التي تتوسط الشعار اللبناني، لا يمكن أن تبتسم إلا في حالات نادرة إذا ألح عليها الجمهور وهو يتراقص طربا على أغانيها، كما أنها أبدت في أحد لقاءاتها الفنية استغرابها من الجماهير التي ترقص على أي شيء، حتى الأغاني الحزينة، ووصفت هذا الأمر بأنه يساهم في تشتيت فكر الفنان، فالإحساس يجب أن يتدفق على المسرح بين الجمهور والفنان. (صوت الأرض) والكرسي طلال مداح كان يغني والكرسي معه لا يفارقه، فقد كان يقدم إحساس صوته مباشرة وعلى آلة العود، فإذا اختار الوقوف أسند رجله اليمنى على الكرسي، وظل يعزف ويغني، وإذا تعب اختار الجلوس، وواصل الانتشاء والطرب، وكان (صوت الأرض) يحرص على كثير من الأشياء الدقيقة التي ينبه الفرقة عليها، ويكفي أنه يحتفظ بكاريزما خاصة من خلال طريقة لبس الشماغ والغترة عند مقابلة جمهوره. (فنان العرب).. هيبة الفنان محمد عبده هو الفنان الوحيد في هذا الوقت الذي ما زال محافظا على (بريستيج) خشبة المسرح، وإن ناجى الجماهير بصوته أو بإيماءات يفهمها جمهوره، إلا أنه لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يشير إلى الحاضرين، فهو يعرف جيدا أن الإشارة إلى الحضور كسر لقاعدة الالتزام الفني التي ينتهجها الفنانون على خشبة المسرح، وحتى الكليب الوحيد الذي صوره فنان العرب مع الفنانة أصالة، اختار أن يكون التصوير على خشبة المسرح وهو يقابل الجمهور، لأهمية المكان وسحره لعمالقة الأغنية العربية. الدان الحضرمي.. يطرب الفنان أبو بكر سالم بلفقيه أكثر الفنانين الكبار حركة على المسرح، خاصة إذا انسجم مع إيقاع أغاني (الدان الحضرمي)، وكثيرا ما يحب الغناء وإغماض عينيه والإشارة بإحدى يديه، وبعد كل أغنية والأخرى يحب التشاور مع قائد الفرقة الموسيقية. ولو عدنا إلى الأغاني القديمة للفنان أبو بكر سالم، فإنه يحب أن يضفي على لونه الطربي مشاركة نسائية راقصة، وبلا شك أن أبو بكر أحد الأسماء التي صنعت لنفسها حضورا وتلقائية بينه وبين جمهوره المحب له. جمهور الأكل.. مزعج الفنان عبدالكريم عبدالقادر اعتزل الحفلات الفنية المباشرة على المسرح، وذكر في أحد اللقاءات الفنية أنه لا يمكنه أبدا أن يتعب صوته بالغناء لجمهور يأكل ويشرب ويتحدث عبر (الموبايلات) من دون احترام لتاريخ الفنان ومراعاة لمشاعره.