منذ أن تفجرت الأزمة المالية في شرق آسيا في يوليو 1997، وتزامن ذلك مع تخفيض العملة التايلاندية، دمرت الكوارثُ العملات، والبورصات، والاقتصادات في المنطقة، لكن لم يصب أي بنك في سنغافورة بالانهيار. اندفع المستثمرون للخروج من الأسواق الجديدة (البازغة) التي صُنفت سنغافورة ضمن فئتها، وحين خشي مديرو التمويل من الشراكة المخفية، لم تشكل عملية حجب المعلومات استجابة ذكية؛ فقررنا تبني الشفافية وكشف المعلومات إلى الحد الأقصى. ولتمكين المستثمر من الحكم على قيمة أصولنا وموجوداتنا، أقنعنا مصارفنا بالتخلي عن ممارساتها المتمثلة في الاحتفاظ باحتياطي مخبأ، وعدم الكشف عن قروضها. ومن ثم كشفت مصارفنا عن قروضها التي جازفت بتقديمها في المنطقة، وأضافت شروطا جوهرية عامة على قروضها الإقليمية، وتعاملت مع المخاطر المحتملة وجها لوجه، بدلا من انتظار أن تتحول إلى قروض معدومة. ونتيجة الخطوات الكافية الوافية التي اتخذتها السلطة النقدية السنغافورية للتعامل مع الأزمة. رسّخت سنغافورة موقعها بوصفها مركزا ماليا مهما... هذه سطور قليلة من كتاب عظيم اسمه: (من العالم الثالث إلى الأول، قصة سنغافورة من 1965 إلى 2000) تأليف: لي كوان يو. مؤسس سنغافورة الدولة الحديثة. وهو الكتاب الذي قيل عنه: إن هناك كتبا تعلمك كيف تشيد منزلا، وتصلح محركا، وتؤلف كتابا، لكنني لم أر كتابا حول كيفية بناء دولة انطلاقا من مجموعة من المهاجرين البائسين القادمين من الصين، والهند البريطانية، وجزر الهند الشرقية (الهولندية)، أو كيف يكسب شعبها لقمة العيش حين تتوقف تلك الدولة عن لعب دورها الاقتصادي السابق بوصفها مركزا محوريا للتصدير والاستيراد في المنطقة، بل والعالم... فمنذ أكثر من 40 سنة؛ حول (لي كوان يو) مستعمرة صغيرة وفقيرة وعاجزة، إلى حاضرة متلألئة وغنية وحديثة. لكن مطوقة على الدوام بقوى معادية، وهو واحد من أعظم رجالات الدولة في العالم. وقد قال كوفي عنان: «إن كتابه هذا يعبر عن طموحات كافة الدول النامية لتحقيق حلمها بالتقدم والرقي، تلك الطموحات التي لم يستطع تحقيقها غير القليل؛ كان في مقدمتها سنغافورة».