رخص الله للمسافر عدة رخص من ضمنها رخصة الفطر في نهار رمضان، وذلك تيسيرا على العباد وتسهيلا لهم، لكن بعضا من الناس حاول استغلال هذه الرخصة بطريقة تدل على جهل وغباء كبيرين، فهو يحاول أن يسافر ابتداء ولكن لأجل أن يستفيد من رخصة المسافر؛ فيجمع الصلوات ويباح له الفطر على حد زعمه، والمشكلة الكبرى أن هذه الظاهرة منتشرة عند بعض الشباب، هداهم الله، فهم يخرجون صباحا، وكل منهم قد استلم طريق سفر، وعندما يصل “العدّاد” إلى 80 كلم ، يبدأ في الأكل والشرب، ثم يعود إلى المدينة التي يقطن فيها، وهو يظن أنه بفعله هذا، قد خرج من المحظور الشرعي، بينما هو بفعله قد وقع في محظور أكبر، فهو مع فطره المتعمد، أضاف إليه الاحتيال على الله تعالى. لا يجوز أكد الدكتور صالح بن مقبل العصيمي أن الحيلة لأجل الفطر تعد أمرا محرما، خاصة ممن يسافرون إلى أماكن أخرى حتى يباح لهم ذلك، وقال العصيمي: الذي عليه كثير من أهل العلم أن من سافر لأجل الفطر فإنه لا يحق له الفطر، وأن هذا من باب الحيلة والاحتيال، فهو قصد الفطر ولم يقصد السفر. والله سبحانه وتعالى رخص لمن أراد السفر فجعل من رخص السفر الفطر، ولم يجعل من رخص الفطر السفر، بمعنى أن الله عز وجل لم يقل سافر لكي تفطر، فيكون القصد الفطر ذاته، وإنما إن سافرت فإنه يباح لك الفطر. وقد تكلم شيخ الإسلام، رحمه الله، عن ذلك في مسألة مهمة احتواها كتابه العظيم (الدليل على بطلان التحليل). وشدد الدكتور العصيمي على أنه لا بد أن ننتبه له في هذا الفعل، فلا يجوز للإنسان أن يسافر من أجل الفطر، فيأتي أحدهم و يقول: لأنه أصابني بعض العطش، سأضطر للسفر من أجل أن يباح لي الفطر، فهذه حيلة ونعوذ بالله، ونسأله العافية، وهي من حيل اليهود، فهؤلاء الذين يلجؤون للحيلة لاستخدام تحليل الحرام. وحول ما يفعله بعض الشباب الذين يسافرون مسافة 80 كلم وهي المسافة الشرعية التي يباح عندها الفطر، فيعمد لو كان في الرياض مثلا أن يذهب إلى الخرج أو سدير أو يصل مدينة الزلفي ثم يصلي الفجر ويعود، ثم يدلس على نفسه ويقول: الحمد لله أنا سافرت. قال العصيمي: لو أفطر الإنسان من دون أن يلجأ للحيلة فهو أقل إثما ممن يلجأ للحيلة، مع أنهما جميعا من الكبائر، غير أن الذي فعل الحيلة جمع بين الفطر المتعمد، والتحايل على الشرع. وأوضح الدكتور العصيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم شدد على تحريم الحيلة، ووصفها بأشنع الصفات والألفاظ، كالرجل الذي يزوج امرأته لرجل آخر، لأجل أن تحل له، والذي يسميه العلماء، بالتيس المستعار، فهو يفعل هذه الحيلة لأجل أن يحتال على الله. صفات اليهود من جهته قال الشيخ محمد السلطان إن من سافر يباح له الفطر مطلقا، ما دامت نيته هي السفر، أما من سافر لأجل الفطر فهو من الحيلة التي لا تجوز، وهي أشد جرما من الفطر نفسه، فاليهود الذين من صفتهم الاحتيال، قد جعلوا أشرعتهم في البحر يوم الجمعة، وأخذوها يوم الأحد، والصيد هو صيد يوم السبت، الذي حرم الله الصيد فيه عليهم، وعاقبهم الله بسبب ذلك الأمر، وجرأتهم عليه، والله عز وجل يقول: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) وقال الله تعالى عن المنافقين: (يخادعون الله وهو خادعهم)، فالله عز وجل لا يمكن أن يخادعه إنسان. وأضاف: “الإنسان الذي يفطر عن طريق هذه الحيلة، هو في قرارة نفسه لا يعلم حكمة الصوم الكبرى، فالله عز وجل يقول: (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). فعندما يعلم حقيقة الصوم، وما يخلفه من أثر في سلوك الإنسان، وحياته كلها، سيعلم يقينا أن الصوم ما شرع لا لتزكيته، ووسيلة من وسائل تحقيق التقوى التي جعلها الله عز وجل علة من علل الصوم الكبرى، التي إن فقهها الإنسان أصبح أكثر قربا من الله عز وجل”. وبين الشيخ السلطان أن هذا الإنسان لو كان لديه عذر شرعي كأن خشي الهلكة، أو لم يستطع الصوم وخاف على نفسه، فإنه يباح له الفطر أصلا دون أن يلجأ لمثل هذه الحيل، ولكن الأغلب من هؤلاء هو يفطر لأجل الفطر، أو محاولة منه للتخلص من الصوم، بطرق غير شرعية، وهنا المصيبة الكبرى. وقال السلطان: عندما تصبح العبادات ثقيلة على الإنسان، فإنه قد يقع في خطر توفر صفات المنافقين فيه، الذي يقول الله تعالى عنهم عندما يؤدون العبادات: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى). فهم في حقيقة الأمر لا يريدون أن يصلوا أو يصوموا، وإنما لأنهم يخشون الناس، فيقدمون على التدليس والغش والخداع، ولكن ليته مع أحد المخلوقين، وإنما مع رب العالمين، سبحانه.