كيف يعيش أبناء الجالية المسلمة في رمضان؟ وماذا يعانون مع غياب مظاهر الشهر الكريم؟ ومنهم أولئك الطلاب المبتعثون الشباب الذين انتقلوا فجأة إلى عالم آخر له تقاليده وعاداته ومعتقداته التي لا تأبه بشهر رمضان، وربما لا تعرف عنه شيئا. هذه الحالة جعلت المراكز الإسلامية في الخارج تقوم بجهود كبيرة؛ لإحداث نوع من التواصل بين أبناء الجاليات المسلمة في العالم، من خلال السعي لإعادة شيء من أجواء رمضان الروحانية. ونقلا لتجارب هؤلاء الطلاب المبتعثين مع الصوم خارج أرجاء أوطانهم، طرنا عبر القارات؛ لنستطلع آراء بعض هؤلاء الشباب، الذين أكدوا وبصوت واحد أن رمضان خارج الوطن العربي (غير). بداية يتحدث أحمد خلف الله الطلحي، المبتعث بجامعة لاتروب بمدينة ملبورن الأسترالية، عن انطباعاته الرمضانية فيقول: “في الحقيقة لقد صمت رمضان الماضي في أستراليا، وكان أول رمضان أصومه خارج السعودية، وقد يستغرب البعض رأيي حين أختلف معهم وأقول: إنه كان أفضل رمضان استشعرت قيمته وروحانيته وصفاءه. وذلك على الرغم من أن لي عادة سنوية لم تنقطع منذ عشرة أعوام، وهي أنني أعتكف العشر الأواخر من رمضان في الحرمين المكي والمدني بالتبادل. وقدَّر الله أن أقضي رمضان الماضي في أستراليا، وقد شعرت فيه بشعور غريب فعلا؛ لأنني المسلم الوحيد في الصف الدراسي، حيث كنت أقوم بالعبادة بكل أريحية، وأيضا المجتمع في أستراليا مختلف عن مجتمعنا في السعودية.. مجتمع السعودية يجعلك تصوم وتستشعر رمضان بفعل الأجواء المحيطة، فالمطاعم مقفلة والمساجد مفتوحة وحلقات التحفيظ والدروس العلمية منتشرة، حتى البرامج التلفزيونية تعطيك إيحاء بأننا في شهر فضيل؛ فتجد الشخص المتكاسل يتحمس، والضعيف يتقوى، أما في أستراليا فإن صيامك يجعلك تشعر بأنك تعبد الله بصدق وإخلاص وصبر، حتى صلاة التراويح في أستراليا لها رونقها الخاص. أفتقد والدَيّ ويتعرض الطلحي لقضية الأطباق الرمضانية، وأنه ليس ثمة اختلاف، ويقول: “كل ما هو موجود في السعودية موجود في أستراليا، حتى السمبوسة، والطرمبة (بلح الشام). أما طريقة الاستقبال فهي مثل طريقة الاستقبال في السعودية تماما، ولا يوجد أي اختلاف سوى أننا في السعودية نجتمع في المسجد بعد التراويح”. ويفتقد الطلحي فقط الإفطار مع والديه: “ربما الشيء الوحيد الذي افتقدناه ونشتاق إليه هو الإفطار مع الوالد والوالدة، كما أنني كنت أعتكف في العشر الأواخر في الحرم، لكن هنا في أستراليا لا يوجد إلا المذاكرة، كما أننا لا نصلي التهجد؛ إذ نصلي التراويح ونخلد للنوم”. ويوضح انطباع المعلمين والطلاب من غير المسلمين عن رمضان: “إنهم يسألوننا ما هذا الشهر؟ فنقول لهم: إننا نصوم من السادسة صباحا حتى السادسة مساء. فتقول المعلمة: مستحيل! ونؤكد لها أننا لا نأكل، ولا نشرب الماء، ولا نتكلم كلاما غير جيد، حتى إنهم كانوا يستغربون، ويقولون: ما هذه النفسية التي تعيشونها! رائحة القهوة سلطان الجميري، مبتعث في كندا، يصف تجربته مع الصوم هناك فيقول: “لا شيء يتغير في المجتمع تجاهنا، فالكل منهمك في عمله ودراسته، ورائحة القهوة تنبعث من المقاهي، والمطاعم في نشاط دائم؛ لذا يعيش المغتربون أجواء رمضان هوية وروحا ومعنى، بصورة تعمق الإيمان في دواخلهم أكثر وأكثر. ويوضح الجميري، أن الأمر لا يخلو من محاولات من قبل الجالية الإسلامية؛ للحفاظ على بعض شعائر رمضان وروحانيته بتفطير الصائمين من الطلاب العزاب في المركز الإسلامي، وإقامة صلاة التراويح جماعة في المسجد. ويمضي الجميري في حديثه عن المائدة الرمضانية؛ فيقول: “نضطر كثيرا لتكييف أنفسنا على الأكلات الهندية والباكستانية، التي يعد الأكل الحار هو السمة المسيطرة عليها”. ويضيف: “لو حاول أحدنا أن يجرب الطبخ في شقته، في بلد نصوم فيه 18 ساعة، سيكون الأمر أشبه ما يكون بالجنون، خاصة أن الملل يتسلل إليك من أول تجربة، بعد يوم دراسي منهك، تتلوه ساعتان أو ثلاث من أجل إعداد الطعام، وهو أمر قد لا يقوى عليه الطالب؛ لذا غالبا ما نبحث عن الأطعمة الجاهزة. وأشاد الجميري بمذاق الأطعمة الليبية، فهو مقارب لمذاق مأكولاتنا، كما أن لديهم شربة خاصة تستحق كل تقدير واحترام! لذا يكون اليوم الذي تتكفل فيه العائلة الليبية بالأكل من أسعد الأيام لدى الطلاب؛ لأنهم بلا شك سيستمتعون بمائدتهم اللذيذة. روحانية مفقودة الإعلامي عضوان الأحمري، الذي يخوض غمار الدراسة في أمريكا، حيث يدرس في معهد اللغة التابع للجامعة الأمريكية بواشنطن، يؤكد أن أكثر ما يفتقده هناك هو الجو العام لهذا الشهر المبارك، كما أن الروحانية الرمضانية، لا توجد في بلاد كهذه؛ لأنه لا يوجد تغيير شكلي في الدوامات وساعات الدراسة، والعالم من حولك يأكل ويشرب، ولا توجد هناك أجواء دينية تشعرك بأنك في رمضان. وعن تجربته القصيرة، أوضح الأحمري، أنه حتى الآن لم يواجه مشكلة كبيرة سوى ساعات الصوم الطويلة التي تصل إلى قرابة 16 ساعة في اليوم. أما وجبة الإفطار فهي لا تختلف عن زملائه كثيرا؛ فهي تحتوي على التمر واللبن بوصفهما عنصرين أساسيين، بيد أن هناك تجمعات طلابية تقوم في نهاية الأسبوع بتوفير بعض من الطبخات السعودية؛ كالكبسة وإدام البامية وأكلات أخرى أيضا، كما أن السمبوسة تحضَّر في بعض الأحيان. وحول التساؤلات التي يطرحها المجتمع من حوله؛ يؤكد الأحمري أنهم دائما ما يتوجهون إليه بالسؤال عن الصوم وماهيته، بالإضافة إلى بعض الأسئلة الأخرى المتعلقة بالإسلام.