تفكر محافظة الخرج في إعادة عرض مسرحية البيت الآلي التي سبق عرضها في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، وهي بهذا تكون قد أحسنت صنعا لما تحمله المسرحية من نقد هادف ومواقف تحكي واقعنا بسلبياته وإيجابياته. ولقد أتيحت لي فرصة مشاهدة المسرح وأعادني ذلك إلى منتصف السبعينيات الميلادية حين كان للمسرح السعودي نشاط ملحوظ، والرابط بين ذلك الماضي الجميل وحاضرنا اليوم هو الحضور الجماهيري وتذوقه للفن المسرحي في السعودية الذي لا يزال في واقع الأمر له نكهته الخاصة على الرغم من البدائل المتاحة التي وفرتها التقنية. والفكرة التي قامت عليها مسرحية البيت الآلي بسيطة، لكنها عكست عمقا فكريا عالجت من خلاله ذلك التزاوج بين الإنسان والتقنية الحديثة، وبرز فيها ذكاء المؤلف، وقدرة المخرج وإبداعات الممثلين، وأكدت أن مسيرة المسرح السعودي في طريقها إلى النضج والتفوق متى ما وجدت الدعم والتشجيع اللذين تحظى بهما من جهة هي الأخرى تحلق في سماء العطاء والإثراء المعرفي ممثلة في أمانة منطقة الرياض. وها هي محافظة الخرج ممثلة في الأمير عبدالرحمن بن ناصر تسهم في إعطاء أبناء هذه البلاد فرصة تقديم ما لديهم من إبداعات مسرحية هي بحق تستحق التقدير والثناء. وكشفت المسرحية عن قدرة وخبرة سعد المدهش في مجال التأليف بعد أن قدم نفسه في الكثير من النصوص التلفزيونية، وقدم للمشاهد السعودي خصوصا والخليجي والعربي عموما قضايا اجتماعية ذات خصوصية محلية. ومخرج المسرحية هو الآخر استطاع أن يدمج بين الشخصية الإنسانية في قالب آلي ويوظفها على خشبة المسرح بشكل أعطى مشهدا معبرا ذا طابع كوميدي رائع. الحضور القوي الذي هو عليه الفنان حبيب الحبيب يؤكد أن هذه الشخصية الفنية تمتلك مقدرة عجيبة قادرة على التحرك بذكاء على خشبة المسرح. وتميزت المسرحية بوقوف ممثلين مخضرمين لهم وزنهم على المسرح السعودي وعلى رأسهم الفنانون علي المدفع وحمد المزيني وسعد الصالح. ولكن اللافت للنظر بروز شخصيتين قادمتين بقوة هما الفنان محمد الحبيب والطفل راشد المدهش. ووظف العنصر النسائي بذكاء، خصوصا تلك الشخصية التي تقمصت المرأة الآلية، كما أن توظيف صورة الممثلة التركية التي لعبت دور (لميس) في مسلسل سنوات الضياع أضاف إلى المسرحية بعدا ساعد كثيرا في استيعاب المسرحية لكافة عناصر وأجناس المجتمع. وعالجت المسرحية قضايا اجتماعية وثقافية كثيرة، وكان أبرزها الاتصال عبر الإنترنت، وعكس النص واقع الحال بالنسبة إلى تعاملنا معه. ما أراه في هذه السطور هو إعادة تقييم هذه المسرحية تقييما موضوعيا والاستفادة منها في إيصال الرسالة التوعوية التي حملتها كعقوق الوالدين وقضايا المخدرات والجشع والبخل والتمييز العنصري، وأن تعرض في أماكن متفرقة بالسعودية لثقتي بأنها تستحق ذلك.