إن الصراع الدولي اليوم ليس فقط هيمنة بالقوة العسكرية والاقتصادية، بل هو أيضا صراع أفكار وأنساق ثقافية يراد لبعضها أن يعولم، ولبعضها الآخر أن يمحى ويزول، والجريمة الكبرى التي تمارس اليوم هي هذا التنميط الثقافي الممارس من قبل الغرب، الذي رغم لغطه الكثير وتشدقه بعبارات احترام التعددية والاختلاف، يعمل بمختلف الوسائل، سواء بالترغيب أو بالإلزام، على جعل نسقه الثقافي مطلقا كونيا. وتتنوع الثقافات وتختلف من إطار مجتمعي إلى آخر، وبفعل هذا التنوع تختلف الرؤى والأذواق، ومن ثم لا مجال لبناء رؤية موضوعية تجاه الثقافات التي نختلف معها، وبسبب اختلاف الرؤى والأذواق الثقافية، من الطبيعي أن يستشعر كل مجتمع الاعتزاز بثقافته واستهجان ثقافة الآخر. وفي ظل ثورة تقنية الاتصال التي نعيش تحت تأثيرها، يبدو أن البشرية مقبلة على تحولات نوعية على مستوى أنماطها الثقافية. والسؤال الذي يطرح اليوم بإلحاح هو: هل سيؤدي هذا الوضع الجديد، إلى تنميط حياة الشعوب بنمط ثقافي واحد، أم أن التعدد الثقافي حتمية لا سبيل إلى محوها؟ إن الإرث الثقافي واللغوي لجميع الشعوب يُعدُّ ثروة إنسانية يجب الحفاظ عليها والتمكين لاستمرارها، وأن عولمة ثقافة واحدة هو سقوط في إفقار البشرية وإفلاسها. والحضارة الإسلامية كانت رغم ارتكازها على مرجعية الوحي، تعمل على الحفاظ على الاختلاف العقدي والقيمي، حيث لم تعط لنفسها الحق لمحو الخصوصيات الثقافية، بل كان المد الإسلامي موجها بمبدأ المحافظة على حرية الاعتقاد وعدم إكراه الآخر على تبديل معتقداته وقيمه ومثله، وفي ذلك درس مهم ينبغي التذكير به والوعي بقيمته.