ما إن ينتهي الطلاب والطالبات من امتحاناتهم النهائية، ويحصلون على شهادات النجاح، والفرحة تملأ محياهم، إلا وتبدأ حينها مطالبهم ب(هدايا النجاح) من أسرهم.. فمحال الهدايا المختلفة وألعاب الصغار تكتظ خلال هذه الأيام من كل عام بكثير من الأسر التي تحرص على شراء هدايا متنوعة، رغبة منهم في مكافأة أبنائهم، لما حققوه من نجاح، وتعبيرا عما يشعرون به من مشاعر الرضا والسعادة تجاه ما أنجزه فلذات أكبادهم. وفي المقابل، تعيش بعض الأسر مأزقا كبيرا حيال ميزانية هذه الهدايا، وتحت ضغوط طلبات ملحة من قبل الأبناء، بضرورة تقديم هدايا نجاح لهم مثل زملائهم، غير مبالين أو مراعين وضع أسرهم وحالتها المادية. ويبقى السؤال الأهم: هل هدايا النجاح أصبحت ضرورة ملحة في عصرنا الجاري؟.. أم أنها لا تعدو كونها ترفا، يكافئ به بعض الآباء أبناءهم عند نجاحهم؟ تعزيز الإيجابيات في البداية تحدث عبدالقادر الغامدي، مرشد طلابي، وقال: “تعتبر المكافآت والجوائز من أنماط التعزيز، التي تجعل الشخص يؤدي السلوك المرغوب، ويستمر في أدائه بصورة أفضل”. وأضاف أن الهدية “محفز قوي وفعّال وناجح للحفاظ على أداء أبنائنا لسلوكيات إيجابية كما نشاء”. وعلل ذلك بأن “هدايا النجاح أصبحت في وقتنا الحاضر مطلبا أساسيا لتحفيز الأبناء على بذل المزيد من الجهد”. وأوضح أنها “وسيلة من وسائل زيادة دافعية التعليم عند أبنائنا”. ووضع عبدالقادر عدة شروط لتحقق هذه الهدايا مبتغاها، ونلتمس فاعليتها منها، وقال: “أن تكون فورية، أي حال الانتهاء من السلوك المرغوب تكراره مباشرة”. وأضاف: “هدايا النجاح هنا لا بد أن تكون بعد ظهور النتيجة مباشرة، وأن تحقق رغبة الطالب وطموحه، وأن تشبع إحدى حاجاته”. وأشار إلى أهمية “استشارة الابن حول نوع الهدية التي يرغب فيها، ولا يمنع ذلك ولي الأمر من تحديد سعر الهدية، حتى تكون في حدود استطاعته”. وأوضح عبدالقادر أن “من المهم عدم إجبار الابن على هدية معينة، كما يجب ألا يترك الابن ليختار الهدية بمفرده”. وأشار إلى أن “الابن يغالي أحيانا في اختيار هديته، ولا يراعي حالة الأب المادية”. وأضاف أنه “قد يطلب الأبناء بعض الهدايا كالألعاب الإلكترونية مثلا، وهم غير مدركين لخطورتها الصحية”. وقال: “يجب على الآباء توعية أبنائهم بخطورة مثل هذه الألعاب، وتقنين اللعب إذا أصر الأبناء على استخدامها”. الشكوى لله التقينا مقبول الشمراني، ولي أمر طالبين في المرحلة الابتدائية، وسألناه عن رأيه في موضوع هدايا، فقال: “هدايا النجاح لم تكن تعرف في السابق نهائيا، ولم نعرفها إلا في الوقت الجاري”. وأوضح أن السبب من وجهة نظره هو أن ثقافة المجتمع الحالي، وانفتاحه على الآخر، هما ما روج لمثل ها النوع من السلوك. وأضاف الشمراني أن بعض الأبناء يطلبون الهدايا المكلفة والباهظة الثمن، ولم يعد يقتنع الأبناء بما يقدم لهم من هدايا. وأضاف: “هدية النجاح تكبر مع الطفل، وتكبر من مرحلة إلى مرحلة أخرى”. وعن هداياه لأبنائه بعد نجاحهم، قال الشمراني: “ابني عبد المجيد ما زال مُصرّا على أن تكون هدية نجاحه جهاز (لاب توب)، وهو لا يزال في المرحلة الابتدائية”. وأضاف: “في حال إصراره على هذه الهدية فسأضطر أن أقدم له هذه الهدية، وإن كانت باهظة الثمن، فالشكوى لله”. أحب الكمبيوتر وسألنا ابنه عبدالمجيد عن سبب إصراره على هذا النوع من الهدايا باهظة الثمن، فأجاب: “أنا أحب الكمبيوتر، وأحب جميع الألعاب التي تحويه، وأتمنى أن أتخصص في هذا العلم مستقبلا”. وذكر والده: “إن مما يزيد تضخم هذه الظاهرة هو التنافس بين الأبناء بعد النجاح، والتفاخر بينهم”. وقال: “كل واحد يحمله هديته؛ ما يزيد العبء الكبير على الأب”. حب التعلم ورأى عادل العسوم، معلم ومهتم بالأمور التربوية، أن “هذه الهدايا لم تكن تعرف في السابق كظاهرة، ذات طابع رسمي كما يظهر الآن”. وأضاف: “عند تعويد الأبناء على هذه الهدايا فهذا معناه أننا حفزناهم تحفيزا خارجيا، وأهملنا التحفيز الداخلي؛ حيث يجب أن يدرَّب الأبناء على النجاح والتفوق من دون مقابل”. وأضاف: “كما يجب أن نغرس فيهم حب التعلم واكتساب المعرفة، بعيدا عن أي وعود خارجية”. وأوضح العسوم أن “الهدية أمر معزز ومحبب للأبناء، ويجعلهم يتفاعلون أكثر”. وقال: “لكن يجب ألا تصبح هذه الهدايا شرطا؛ لأن هذا الأمر خطأ”. وأشار إلى أن هذا “قد يتعدى إلى كونها مساومة من قبل الأبناء، من أجل النجاح، وهذا من الناحية التربوية أمر غير جيد”. وأضاف: “بعض تكاليف الهدايا تكون عبئا كبيرا على الآباء، وبالتالي يجب أن يتحقق التوازن في هذا الأمر”. وأعرب عن تمنياته أن نغرس في الأولاد حب التعلم داخليا، وأن نعزز هذا لديهم خارجيا. وعن نصيحته للآباء في هذه الأوقات، قال العسوم: “أنصح الآباء بتحفيز الأبناء عن طريق الاحتضان وعن طريق القبلة، وعن طريق المدح والثناء عليهم في المجالس، وهذا أفضل الهدايا”. وأضاف: “بهذا النوع من التكريم تبقى العوائل مستقرة”. وقال العسوم: “يجب أن نقدم للأبناء الهدايا ذات الارتباط المعرفي، كالتحليل والتركيب والبناء والتفكيك، لننمي مداركهم، ونوسع ثقافتهم المعرفية”. (جيم بوي) ثم التقينا أحد التلاميذ واسمه ريان، سبع سنوات، وسألناه عن هدية نجاحه، فقال: “أنا أختار هدية نجاحي، وهي عبارة عن لعبة إلكترونية (جيم بوي)، أسوة بجميع زملائي في المدرسة”. أحفزهم بالهدايا وروى حسن آل هياس تجربته مع أبنائه وهدايا النجاح التي قدمها لهم، وقال: “هدايا النجاح من أهم الحوافز التي أحفز بها جميع أبنائي أثناء الامتحانات”. وأضاف: “أحرص دائما عند كل امتحان على أن أحفز وأشجع أبنائي جميعا على المذاكرة والنجاح والتفوق بتجهيز هداياهم مبكرا”. وذكر آل هياس أنه عوَّد أبناءه على هذه الهدايا منذ صغرهم، وقال: “منذ صغرهم وأنا أحقق لهم ما يطلبونه من هدايا، وبالتالي أشجع أبنائي على المذاكرة وأزيد حماسهم وإقبالهم على التعلم بصورة كبيرة”. وأضاف: “جميع جهودي السابقة وجميع ما قدمته لهم من مال ومن هدايا لنجاحهم أصبح الآن ثمرة أجني قطافها”. وقال: “الحمد لله جميع أبنائي الآن حصدوا الشهادات العليا، والتحقوا بوظائفهم الحكومية التي هي مطلب لكل شاب وهدف لكل أب”. ونصح آل هياس في نهاية حديثه الأبناء بأن يقدروا جهد ووقت ومال آبائهم، وأن يسعوا إلى تحقيق المراتب العالية من النجاح والتفوق. وأضاف: “مجتمعنا الآن بحاجة إلى كل هؤلاء الشباب من خلال خدمة وطنهم”.