سمعنا كثيرا عن هروب المواطنين من المستشفيات الحكومية وتوجههم إلى المستشفيات الخاصة.. وهي الحال ذاتها التي تجري في مستشفى القطيف المركزي.. مع الفارق الذي يخص هذا المستشفى بالذات، وهو أنه مهما هرب منه المواطنون، فإنه يبقى المكان الوحيد الذي يلجأ إليه كثيرون بسبب الحاجة.. فالازدحام وطول الانتظار صار سمة مرافقة لهذا المستشفى أغلب أوقات اليوم، ومعها أغلب أوقات السنة. مستشفى القطيف يخدم نحو نصف مليون نسمة، يسكنون محافظة القطيف.. وقد صار، ومنذ سنوات، مضرب المثل في سوء الخدمات، حتى أصبح البعض يطلق عليه أسماء مرعبة، تعكس النظرة السلبية التي ينظر بها الناس إلى المستشفى.. كما يطلق عليه البعض الآخر أسماء لمستشفيات شهيرة، بقصد التقليل من قيمة الخدمات التي يقدمها.. فيقاوم ما يعانيه البعض من سوء خدمات، بروح النكتة والسخرية، لتصبح سمعة المستشفى الأكبر في المحافظة على المحك. “شمس” قررت أن تدخل إلى غرف المستشفى، لتتأكد من صدق الشائعات.. وتنقلت بين أقسامه، والتقت المراجعين.. لتكشف حقيقة الصورة القاتمة، التي تلاحق المستشفى منذ سنوات طويلة. إسعاف أطفال ينتظر بداية التقينا أم محمد التي جاءت مع طفلها بشكل مستعجل إلى إسعاف المستشفى المجهز بعيادة للأطفال، والتي تشتكي من طول انتظارها، على الرغم من حالة طفلها الصحية السيئة، تقول: “اضطررت إلى الانتظار أكثر من ساعتين، لأن الحالات المسجلة لدى العيادة كبيرة جدا، ولا يوجد نظام لتقييم الحالات المستعجلة، فاضطررت إلى إعطاء ابني جرعة من الدواء المخفض للحرارة، حتى يأتي دوره للدخول على الطبيب”. وتطالب أم محمد بضرورة توسعة قسم الإسعاف، خصوصا عيادة الأطفال التي تعتبر مهمة جدا. وتضيف: “لا نستطيع التوجه للمستوصفات الخاصة في أوقات الليل المتأخرة، لأن أطباء الأطفال لا يتواجدون إلا في وقت الدوام الرسمي”. ورغم أن أم محمد تتذمر من طول الانتظار، إلا أنها تصر على العلاج في المستشفى، وتقول: “إن العلاج فيه مطمئن جدا، لأن بعض الأطباء في المستشفيات الخاصة، وبكل أسف يصفون كثيرا من الأدوية للمريض، من أجل ربح الصيدلية التابعة للمستشفى، فيؤذي هذا المريض من أجل مصلحة المستشفى المادية، لذلك أفضل الانتظار على المضار التي قد يؤدي إليها العلاج الخاص”. أين الأسرّة البيضاء؟ وفي القسم نفسه التقينا نسرين فايز، التي تضطر إلى مراجعة المستشفى بشكل دائم مع ابنتها ذات السنوات الخمس، لإصابتها بمرض وراثي في الدم، والتي تشتكي من قلة الأسرّة في قسم إسعاف الأطفال، ما يضطرها في بعض الأحيان إلى إبقاء ابنتها في حضنها ساعات طويلة، تتلقى العلاج، لحين توفر سرير، وتقول: “عدد الأسرّة في قسم إسعاف الأطفال أربعة فقط، وهي لا تكفي للمرضى الذين يستقبلهم المستشفى، خصوصا أن كثيرا من مرضى الأمراض الوراثية من الأطفال يحتاجون إلى تلقي العلاج في القسم وعلاجهم يستغرق ساعات طويلة، مما يضطر الأهل إلى حمل أبنائهم”. وتوضح: “في بعض الأحيان يتم وضع مريضين على سرير واحد، حيث تجلس الأمهات على السرير، بينما الأبناء يظلون في حضن الأمهات، وذلك لعدم وجود كراسي في القسم، تساعد مرافقي المرضى على الراحة بالقرب من أبنائهم”. وتقول: “إما أن نظل واقفات أو جالسات نحمل أبناءنا”. وعن نظافة قسم الإسعاف، تقول نسرين: “النظافة بشكل عام تعتبر جيدة ولكنها سطحية، فعاملات النظافة يتجولن طوال اليوم في المستشفى، ولكنهن لا يهتممن إلا بتنظيف الأرضيات”. وتضيف: “الكراسي في غرفة الانتظار دائما تكون متسخة ولا يتم تنظيفها إلا نادرا، كما أن دورات المياه لا يتم تنظيفها باستمرار طوال اليوم، فتتراكم الأوساخ بشكل يكون في بعض الأحيان مقرفا وغير مقبول في مستشفى”. وتؤكد أن دورات مياه المستشفى أشبه بدورات المياه العامة في الحدائق أو بدورات مياه المحطات”. دورة مياه واحدة وفي جزء آخر من قسم الإسعاف، التقينا فاطمة حسين التي جاءت للمستشفى برفقة والدتها المصابة بفقر الدم المنجلي، والتي تشتكي بداية من نقص دورات المياه في القسم، وتقول: “يعاني مراجعو قسم الإسعاف كثيرا من النواقص، منها عدم توافر أكثر من دورة مياه في كامل قسم الإسعاف، الذي يحوي إسعافا عاما وإسعافا خاصا بالنساء والولادة، وإسعافا خاصا بالأطفال”. وتضيف أن “كل هذه الأقسام تخدمها دورة مياه واحدة، فإن دخلتها مريضة، واتسخ يصبح الحمام مشغولا لنحو ساعة، ولا يكون صالحا حتى يتم تنظيفه من قبل العاملة”. وتذكر أن “تنظيف الحمام بفارق ساعات لا يكفي ليكون نظيفا، فما بالك بأن تكون الحال كل ثماني ساعات”. وتقول فاطمة: “إن القسم يخدم كامل المحافظة، كما يخدم مصابي الحوادث، لكن نقص الأسرّة فيه يساهم في تعطل العمل الطبي”. وتعتبر أن هذا “أمر خطير إن كانت هناك أكثر من حالة طارئة، حيث إن ذلك يساهم في إهمال كثير من الحالات، لعدم وجود سرير لتلقي العلاج”. وتضيف أن “كثيرا من المرضى يظلون لساعات يئنون من الألم في غرفة الانتظار، دون أن يكون هناك سرير، ليستريحوا عليه”. وتوضح: “لا يختلف الأمر في غرفة الانتظار، فهي لا تكفي لعشرة أشخاص، وهي التي تخدم ثلاثة أقسام من أطفال صغار ونساء حوامل ومرضى”. وتقول: “في أوقات الازدحام يجلس بعض المرضى على الأرض، بسبب تعبهم من الوقوف وانتظار دورهم”. منومة.. بلا وسادة ومن قسم الإسعاف، انتقلنا للمرضى المنومين في المستشفى، والتقينا أم جاسم المنومة في قسم الباطنية، والتي أجريت لها جراحة في بطنها، وانتظرت في المستشفى ثلاثة أيام قبل إجراء العملية في انتظار دورها في الجراحة، بينما يحتاج مرضى آخرون إلى سرير للعلاج في المستشفى فلا يجدون.. تقول أم جاسم: “يفترض أن يتم الالتزام بمواعيد العمليات، حتى لا يتم حجز الأسرّة في المستشفى دون فائدة”. وعن القسم توضح أنه: “حين دخلت لم يكن على السرير الذي جهز لي وسادة للنوم، فطلبت من إحدى الممرضات فتركتني ومشت دون أن تحضر لي وسادة، وبقيت على السرير لأكثر من عشر ساعات دون وسادة، وفي كل مرة أطلب الوسادة من إحدى العاملات، فتغيب ولا تعود لي بشيء، حتى قمت بنفسي وطلبتها من قسم الاستقبال”. وتضيف: “بعد إجرائي العملية كنت لا أستطيع الحركة، ولم أكن أستطيع الاعتماد على أحد من الممرضات، حيث لا يستجبن لطلباتي، والتي أكون مضطرة إلى مساعدتهن لي فيها، إلا بعد وقت طويل من الطلب، وهذا الأمر اضطرني إلى طلب مرافقة لي، إلا أني لم أتمكن لعدم وجود أسرّة كافية للمرافقين في القسم”. وتذكر: “بعض الأحيان كان يقدم الأكل باردا، أو يتم تبديل وجبات المرضى فتعطى مريضة السكري وجبة لا تناسبها، وقد حصل ذلك مع مريضة ترافقني في الغرفة”. ستائر.. بالغبار والاصفرار أما هدى صالح المنومة في قسم الولادة فترى أن المستشفى تنقصه الخدمات والتجديد، وتقول: “أسوأ موقف مر بي حين أحضروا لي طفلي بملابس مهترئة ولونها مصفر، لأني دخلت بشكل مستعجل ولم يكن عندي له ملابس”. وتضيف أن “دورات المياه لا تتناسب أبدا مع قسم خاص بالولادة، فالنظافة مطلب أساسي، ولكن الحمامات لا يمكن أن تكون نظيفة بشكل كامل، لأنها بالأساس قديمة جدا، ولا يمكن أن تبدو نظيفة مهما نظفوا فيها”. وتذكر أن “الستائر التي تفصل بين سرير مريضة وأخرى مصفرة جدا، ويبدو الغبار واضحا عليها”. وتقول إن “كل هذه الأمور تجعل المرضى يدفعون مبالغ طائلة للمستشفيات الخاصة، على أن يتحملوا وضعا كهذا”. عيادات تعاني أما في العيادات الخارجية، فأغلب ما يشتكي منه المرضى هو طول المواعيد وأيضا طوال الانتظار.. أم مؤمن التي تتابع حملها في عيادة النساء والولادة في قسم العيادات الخارجية، تحضر بشكل شهري للمستشفى، إلا أنها كما تقول تنتظر فوق موعدها ما لا يقل عن ساعة ونصف في كل زيارة، وهو ما يجعلها تفوت كثيرا من المواعيد.. وتضيف: “لا يلتزم الأطباء بالمواعيد التي حددوها، ما يجعل مواعيد المرضى غير ثابتة، فنضطر إلى التأخر، حتى لا ننتظر طويلا، وقد يفوتنا الموعد لو تأخرنا”. وتوضح أن “المواعيد الدورية خصوصا في قسم النساء والولادة لا تتأخر، ولكن مواعيد قسم الأشعة، والتي تحتاج إليها الحامل مرة واحدة على الأقل في حملها، فبعضها يتأخر إلى ما بعد تاريخ الولادة، لعدم إمكانية وجود موعد” وتضيف: “استغربت عند دخولي غرفة سحب الدم من عدم وجود كراسي للمرضى، فكل الكراسي تجلس عليها ممرضات، بينما من تقوم بالتحليل ممرضة واحدة فيتم سحب الدم من المريضة وهي واقفة”.